بحثت الجلسة السادسة من أعمال منتدى الجزيرة الثاني عشر، في يومه الثاني 29 أبريل/نيسان 2018، "الإعلام أثناء الأزمات والمراحل الانتقالية"، بالتعاون مع مركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسان، وتحدث فيها كل من الكاتب المصري، يحيى غانم، وبورنكا دا سيلفا، مدير مؤسسة الدراسات الاستراتيجية والديمقراطية في مالطا، والصادق إبراهيم، رئيس اتحاد صحفيي شرق إفريقيا، وعبد الوحيد أوديسيل، رئيس فيدرالية الصحفيين في إفريقيا، وجون يرود، رئيس المجلس التنفيذي لمعهد الصحافة الدولي.
غانم: الجزيرة رفعت قيمة الجانب الإنساني في التغطية الصحفية
في مداخلته، تحدث الكاتب الصحفي، يحيى غانم، عن التغطية الإعلامية في قناة الجزيرة التي اتخذت شعار الرأي والرأي الآخر منذ 1996، وكيف قطعت مراحل في عمرها المهني لتستقر على أهمية تعزيز دور التغطية الإنسانية لقضايا العالم. وأضاف أن الجزيرة أسست إمبراطورية إعلامية رفعت قيمة الجانب الإنساني في التغطية الصحفية، وذلك منذ تغطيتها الحرب في أفغانستان؛ حيث تمكنت من خلال عمل ستة طواقم إعلامية من تغطية الحرب هناك، مع الحرص على الانفتاح على كافة الأطراف، ونقل الصورة الإنسانية لتلك الحرب. ولفت إلى أن ما أسهم في تحقيق ذلك التميز في التغطية الصحفية، تركيرها على الآثار المدمرة للحروب على الأبرياء، وقد تلا هذا التميز تغطيتها للحرب في العراق، وتغطية حرب لبنان، والحرب على غزة.
واعتبر غانم أن الجزيرة أعادت صياغة العمل الصحفي المبني على العمليات الميدانية، الذي لا يكتفي بالاعتماد على غرفة الأخبار، وهذا طموح لم تحققه معظم وسائل الإعلام الدولية، إلى جانب تركيزها على الأشخاص الذين يعيشون في الأطراف، بعيدًا عن مركز السلطة، وهذا توجه من الناحية الإعلامية.
وقال: إن الجزيرة قدمت نفسها كمؤسسة إعلامية تمثل دول الجنوب، في مواجهة إمبريالية إعلامية غربية سيطرت على الساحة منذ قرون، كما أنها طرحت معالجة مغايرة لقضايا الإنسان، حيث نقلت صورة إفريقيا وما تعيشه من واقع سياسي واجتماعي، وناقشت مسؤولية الغرب عن الحالة المأساوية التي تعيشها القارة. وشدَّد على أن الجزيرة في سعيها للانحياز إلى الجانب الإنساني، دخلت في شراكات مع منظمات إفريقية، الأمر الذي سهل لها الوصول إلى مناطق الكوارث والأزمات التي امتنعت عنها بعض وسائل الإعلام الغربية.
وقال: إن وسائل الإعلام الغربية دائمًا ما تسارع إلى مواقع الكوارث، لكن سرعان ما تنتقل إلى مواقع أخرى، أما الجزيرة فتبقى هناك لنقل تداعيات الكوارث، لأنها أحيانًا تكون أهم. وأضاف أن الجزيرة خلقت شكلًا جديدًا في عمل غرفة الأخبار، وانفردت بتأسيس مركز الجزيرة للدراسات الذي يُثري مجال البحث والدراسات بخصوص القضايا الإنسانية، كما أسست مركز الحريات للدفاع عن حقوق الإنسان، معتبرًا أن الصحافة المستقلة هي المستقبل، والتي تنحاز للبشر والمهنية والموضوعية لتخفيف معاناتهم.
دا سيلفا: انضباط الإعلام بالقواعد المهنية يسهم في حل الخلافات والأزمات السياسية
بدوره، قال بورنكا دا سيلفا، مدير مؤسسة الدراسات الاستراتيجية والديمقراطية في مالطا: إن الإعلام يؤثر في السياسات وصناعة القرار دون أدنى شك، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمجال الإنساني، كما يسهم في حل الأزمات السياسية إذا انضبط بالقواعد المهنية. وأضاف أن الإعلام والصحافة يتمتعان بالقدرة على الوصول إلى ملايين البشر، ويعيطان صوتًا لمن لا صوت لهم، أولئك الذين يعانون من انتهاكات حقوق الإنسان والإبادة الجماعية. وأكد أن المنطقة العربية ومناطق أخرى من العالم، تشهد انتهاكات جسيمة في مجال حقوق الإنسان، ويمكن للإعلام أن يلعب دورًا سلبيًّا في نزع الصفة الإنسانية، ووصم ملايين البشر من خلال الدعاية والأخبار الكاذبة، وتأجيج خطاب الكراهية، وما يروج من خطابات الشعبوية، وفوبيا الأجانب، وغيرها من الظواهر التي لا ندرك خطورتها على وجه الدقة.
وحذَّر من أن العالم يعيش أوقات شديدة الخطورة على الإنسانية والبشرية، وسط كوارث تهدد العالم، وفي ظل ارتفاع مخاطر التغيرات المناخية والتلوث، في وقت يفتقر فيه العالم إلى الإرادة السياسية لتخفيف التصعيد. وفي سياق حديثه عن الأزمة الخليجية، قال دا سيلفا: إن قطر تواجه أزمة تنعدم فيها الإرادة السياسية لإنهاء الخلافات، لكن وسائل الإعلام يمكنها تحقيق التقدم لحل هذه الخلافات في حال انضبطت بقواعد المهنة، لافتًا إلى أن هناك جهودًا لوضع معايير للعمل الإعلامي في القضايا الإنسانية.
إبراهيم: التضييق على الإعلام تمارسه الحكومات والفاعلون غير الرسميين
أوضح الصادق إبراهيم، رئيس اتحاد صحفيي شرق إفريقيا، أن صورة الإعلام في منطقة شرق إفريقيا تبدو أكثر قتامة في ظل الصراعات والممارسات المخلة بحقوق الإنسان، مثل تهريب الأشخاص وتجارة البشر. وأضاف أن الإعلام في هذه المناطق أيضًا يواجه تحديات كثيرة إثر تحكم السلطات في النشاط الإعلامي، وتقييد حرية الصحفيين بشأن تناول هذه الظواهر، "وإذا ركزنا على هذه المناطق، فإننا سنرى أن الإعلام يتبع الرواية الرسمية دون غيرها في معالجة قضايا الصراعات".
واعتبر أن التضييق على الصحفيين لا يأتي فقط من الحكومات، بل من أطراف النزاعات أو العصابات أيضًا، ولذلك من الصعوبة تقديم صورة حقيقية أو كاملة، ومثلما قال رئيس الوزراء البريطاني سابقًا، ونستون تشرتشل: "في ظل اشتداد الحرب، فإن أول من يُقتَل هي الحقيقة". وضرب مثلًا بما تعيشه منطقة شرق إفريقيا، وقال: في بوروندي تم تهجير جميع الصحفيين المستقلين إلى دول الجوار، ولم يبق في البلد إلا الصحفيون الرسميون، ولا يمكن أيضًا لصحفي أن يدخل إلى مناطق في شرق الكونغو، وفي دولة جنوب السودان، وفي الصومال لا يتناول الصحفيون حركة الشباب الصومالية.
ودق إبراهيم ناقوس الخطر بشأن الانتهاكات ضد الصحفيين، وقال: إن حوالي 37 صحفيًّا معتقلون في دول القرن الإفريقي، وآخرون مطرودون، لكن هناك حركة كبيرة في صفوف الصحفيين لتعزيز دورهم بشكل أكبر بالتعاون مع الهيئات الحقوقية. وقال: "إذا لم نستطع حماية الصحفيين في مناطق الأزمات، فلا يمكن نقل الحقيقة، وبالتالي علينا تطوير مفاهيم جديدة تنظر إلى القضايا الإنسانية وتركز على جذورها".
أوديسيل: الصحفيون ليسوا معنيين باختلاق الأخبار أو أن يكونوا طرفًا في التغطية
من جهته، قال عبد الوحيد أوديسيل، رئيس فيدرالية الصحفيين في إفريقيا: إن على وسائل الإعلام أن تشكِّل منصة لتغطية مشاكل المجتمعات؛ "فقد لاحظنا أن ما يجري في الآونة الأخيرة كان مثيرًا للاهتمام خاصة في إفريقيا، فنحن كصحفيين ليس لدينا أصدقاء في أي مكان، ولا تساندنا أية مؤسسة أخرى، لأننا نقوم بشيء يتعارض مع مصالح البعض". وأضاف: "نحن نقدم عملًا صحفيًّا وننقل الحقيقة، لكن الحكومات دائمًا ما تنزعج إذا قلنا شيئًا لا يرضيها".
واعتبر أن ما تقوم به الجزيرة في محيطها يلبي تطلعات الشعوب في الحرية والكرامة، ويستجيب لها. ونبَّه إلى أن المجتمع ينتظر من الصحفيين أن يذهبوا إلى مواقع الصراعات لنقل الحقيقة، "وحاليًّا فإن وسائل الإعلام ترى أن المرحلة الانتقالية تشكِّل تحديًا كبيرًا، وأعتقد أن الأصدقاء في الشرق الأوسط يدركون أن الأمور تتغير، وبالتالي فإننا نحتاج لمقاربة شاملة وكاملة لمراجعة الساحة الإعلامية، وأن نغيِّر من توقعات المجتمع والحكومات". وذكر أن الصحفيين يكونون أحيانًا جزءًا من هذه النزاعات، "فلا يجب أن نخلق الخبر، نحن نغطيه ولا نخترعه ولا نختلقه، ولابد من إعمال مواثيق المهنة التي تضبط السلوكات، حتى لا تضيع الموضوعية، ولا يصبح الصحفي طرفاً في القصة، تفاديًا للمخاطر".
يرود: الحكومات والصحفيون والجمهور مسؤولون عن المعالجة المهنية للصراعات
تطرَّق جون يرود، رئيس المجلس التنفيذي لمعهد الصحافة الدولي، إلى ثلاث مسائل تضبط أوضاع الإعلام في ظل الصراعات، وحدد مسؤولية الأطراف المشاركة في معالجة هذه الصراعات، وهي:
- مسؤولية الحكومات، "فعلينا أن ندعو إلى احترام حرية الصحفيين في نقل الخبر، وتغطية جميع أطراف النزاع، فقد رأينا على مدى 5 أعوام مضت حالات مفزعة من الممارسات ضد الصحفيين، حيث قُطعت رؤوس بعضهم، وتم بث الرعب في الباقين".
- مسؤولية الصحفيين والمؤسسات الإعلامية، "فالصحفيون مسؤولون عن أنفسهم إذا ما انحازوا إلى طرف ضد آخر، والضابط في مناطق النزاع هو رواية القصة بدقة وحيادية، وعندما ينخرطون في هذه الصراعات فعليهم نقل الحقيقة كاملة وبموضوعية".
- مسؤولية الجمهور، "فهو يلعب دورًا في الصراعات، من جهة دفع وسائل الإعلام لتغطية الخبر بحيادية، وبالتالي لابد من تدريب الصحفيين حول كيفية التعاطي مع مناطق النزاعات والمحاذير فيها".