ناقشت الجلسة الثالثة من أعمال منتدى الجزيرة الثاني، الذي ينعقد بالدوحة يومي 28 و29 أبريل/نيسان 2018، تحت عنوان "الخليج، العرب والعالم في سياق التطورات الجارية"، سؤالًا محوريًّا: "هل تُفَجِّر الأزمات الاجتماعية والاقتصادية موجة ثانية من التغيير في المنطقة؟"، وتناولت مدى ارتباط الثورات الاجتماعية بحالة انحسار التحرك نحو الإصلاحات في المجتمعات العربية، وتنامي ظواهر مجتمعية تهدد بالانفجار مثل الفقر والبطالة وغياب الحقوق، ومخلفات الاستبداد السياسي. وتحدَّث خلال الجلسة الدكتور محمد محجوب هارون، مدير مركز أبحاث السلام في جامعة الخرطوم، والدكتور حمود العليمات، أستاذ علم الاجتماع في جامعة قطر، والحواس تقية، الباحث في مركز الجزيرة للدراسات، ونيكولو رينادي، عضو البرلمان للدراسات، وحامد عبد الماجد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة لندن.

 

هارون: المدينية وحالة الشبابية والسوق تهدد بموجة ثانية من الثورات الشعبية

استهل الدكتور محمد محجوب هارون، مدير مركز أبحاث السلام في جامعة الخرطوم، كلمته بالحديث عن مصطلح "المدينية"، وهي ظاهرة اجتماعية مركبة العناصر، تتوسع فيها قاعدة التعليم وتفاعلات من قبيل زيادة الضغط على سوق العمل، وارتفاع الاحتياجات السكانية. وقال: إن حالة "الشبابية" تضغط على السوق الداخلية وتدفع إلى الهجرة الخارجية، وتُولِّد انعكاسات على الفئات الشبابية التي تتسع في المجتمعات العربية كما ترصدها الاحصاءات، ويتجلى ذلك في انخراط فئة الشباب في الفضاء العام، والتي يرتفع في صفوفها سقف التوقعات، والبحث عن تأمين مستقبل أفضل.

 

واعتبر الأكاديمي هارون أن "السوق" ظاهرة كونية، وهي محدِّدة للحالة السياسية، وأن ظاهرة الربيع العربي استجابت لعوامل المدينية والشبابية والسوق، وستبقى هذه المحددات أو العوامل تقود إلى استمرار النزاعات في المجال العربي واستنزاف الاقتصادات والضغط على الأوضاع الداخلية. كما أن النزاعات ستبقى نتاجًا لهذه التفاعلات باتجاه إحداث التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية مستقبلًا. وقال: إن المحددات الثلاثة كفيلة بتفجير الأوضاع في أي مجتمع، ولابد من وعي النخب السياسية بالتحديات التي يجب معالجتها بأسرع وقت، تفاديًا لموجة ثانية من الانتفاضات والثورات الشعبية.

 

العليمات: التاريخ يؤكد أن الشعوب تصل إلى طموحاتها رغم الثورات المضادة

تحدث الدكتور حمود العليمات، أستاذ علم الاجتماع في جامعة قطر، عن حاجز الخوف الذي كسرته الشعوب العربية، معتبرًا أن دروس التاريخ تؤكد أن الشعوب إذا مضت نحو التغيير، رغم موجات الثورات المضادة، ستصل حتمًا إلى طموحاتها. وأضاف أن الشعوب العربية اليوم تجاوزت العديد من الأفكار والطروحات، في الوقت الذي جاءت فيه الثورات المضادة بأمور أسوأ، وتحديات جديدة، خاصة في ظل اتساع قاعدة الشباب، وانغلاق الأفق، واستمرار نضج الظروف الموضوعية في الوطن العربي، واستفحال مظاهر الظلم والاستبداد. كما أن الحريات في الوطن العربي في أدنى مستواها، فضلًا عن استفحال ظاهرة البطالة في صفوف الشباب العربي الذين يعدون بالملايين، "فماذا يُنتظر من هؤلاء غير الانفجار، أو أن يكونوا وقودًا للتطرف بدل المساهمة في التنمية وتحسين أحوالهم وظروف مجتمعاتهم؟!".

 

وتطرق العليمات إلى حالة التعليم في الوطن العربي، وقال: إن هناك انفصالًا بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، فضلًا عن تفشي عدد من الظواهر الاجتماعية كالتشرد والفقر واشتداد الضغوط على الأسر، والتي ترتد على المجتمع نفسه، وتُوَلِّد حالة من عدم الاستقرار وعدم المساواة في التوزيع الجغرافي، والتفاوت الطبقي بين الأغنياء والفقراء.

 

ودعا العقلاء إلى الوعي بهذه التحديات ومعالجتها، بدل الاستخفاف بالجماهير وبحقوقها، وإلا فستكون المواجهة قادمة عوضًا عن الإصلاح. وختم كلمته بقوله: بحسب المعطيات التاريخية، "فالأوضاع في الوطن العربي لا تبشر بخير، فلا يمكن استدامة الاستخفاف بمطالب الشعوب والظلم، ونحن بحاجة للتغيير والإصلاح الذاتي وإلا فإنها قادمة".

 

عبد الماجد: المشاريع المتصارعة في المنطقة ستلعب دورًا أكبر في تقرير موجة التغيير

قال الدكتور حامد عبد الماجد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة لندن: إن التغيير قد يحدث وقد لا يحدث، ووفق قراءة معينة ومتغيرات الواقع، "وفي تصوري، فإن العوامل الاقتصادية والاجتماعية وحدها غير كافية لإحداث التغيير في الفترة القادمة، فالتاريخ لا يكرر نفسه في معظم الأحوال، وإن حدثت فلن تحقق التغيير الحقيقي". واعتبر أن موجة الربيع العربي كانت لها عوامل اقتصادية واجتماعية، لكن العامل السياسي وحالة الفشل هما اللذان بلورا فعل الثورات.

 

وتساءل الأكاديمي عبد الماجد: ما العوامل والمؤشرات التي نستند عليها لتقييم الأوضاع؟ وأجاب: إن الأمم المتحدة حددت عددًا من العوامل التي تحقق التنمية، ووضعت مؤشرات لذلك، "ونحن اليوم وبناء على هذه المؤشرات ومراعاة للتفاوت بين الدول العربية، يمكننا تحديد إلى أي مدى يمكن أن يبلغ التغيير، للوصول إلى النتيجة المتوقعة". وأضاف: "بالتحليل والتفسير، ننظر إلى أي مدى يمكن للعامل الاقتصادي والاجتماعي إحداث موجة تغيير جديدة، فمن قراءتنا للثورات السابقة تأكد لدينا أن العامل الإقليمي والدولي يلعبان دورًا أساسيًّا في نجاح أو إخفاق أي تغيير، ولهما الدور الأكبر في حدوثه".

 

وشدَّد عبد الماجد على أن التحالفات الإقليمية في المنطقة العربية وما حولها من مشاريع متصارعة ستلعب دورًا أكبر من العوامل الداخلية في تقرير موجة التغيير، ثم يأتي استشراف المستقبل، وهو لُبُّ القضية، ويكفي أن معظم التغييرات التي حدثت لم تفلح مراكز الأبحاث في استشعارها، "فالثورة بحكم تعريفها هي تغيير مفاجئ، فلا ينبغي، يضيف عبد الماجد، أن تكون لدينا القطعية التي تعطل منهجية التفكير العلمي في مسألة استشراف المستقبل".

 

ودعا إلى ضرورة وضع السيناريوهات المختلفة التي تُبْحَث وتُعْرَض على صانع القرار ليضع التخطيط السياسي المناسب. وأكد أن هناك عدة سيناريوهات للتعاطي مع المرحلة المقبلة، وهي:

  1. أن تظل الأوضاع في المنطقة وإلى أجل غير منظور قائمة كما هي، وسيظل وضع الجمود كما هو، وهذا السيناريو تُعَزِّزُه عدة متغيرات، خاصة الاتجاه الدولي الذي يشجع الشعبوية، وخرائط التحالفات الإقليمية تدعم هذا التوجه الدولي.
  2. الدولة التسلطية في المنطقة العربية وحالة النظام الإقليمي الرسمي بعد نجاح الثورات المضادة يسعيان لمحاصرة التغيير باستمرار.
  3. ذاكرة تاريخية لا تزال حية لدينا، وتتعلق بنجاح الثورة المضادة وفشل الثورات، وقد تشكل قيدًا في طرق التفكير في التغيير، كما أن القوة الشبابية ضُربت وأصبحت شبه مشلولة، وهي تلعق جراحها وتلملم نفسها.
  4. حدوث التغيير في ظل حالة التأزيم والانفجار الواسع، وتوقع إحداث تغيير في النظام الإقليمي العربي، وتوفر ظروف تضارب المصالح بين القوى العسكرية. 
  5. أن تتلاءم اللحظة مع تجريب وسيلة لم تتوفر من قبل، فمن الممكن حينها أن يحدث التغيير.

 

تقية: القوى المتسلطة والشعبوية ستدفعان المنطقة إلى عنف أكبر

توقع الحواس تقية، الباحث في مركز الجزيرة للدراسات، أن الدفع إلى التغيير سوف يزداد بنمو عدد السكان في العالم العربي، وزيادة احتياجاتهم، وأيضًا ارتفاع عدد الشباب الذين سيقاتلون ضد ضياع مستقبلهم، لافتًا إلى ارتفاع البطالة بنسبة تتراوح بين 25% إلى 30% بين حملة الشهادات العليا وهي عوامل سوف تدعو إلى المزيد من الاحتجاجات.  

 

وقال: إن هناك أربعة مؤشرات على ذلك تتمثل في نقص عوائد النفط، ما يعنى الضغط على المصروفات الداخلية واحتياجات الناس والاستدانة من الخارج، وثانيًا: أن الدول العربية ليست جاذبة للاستثمارات، وثالثًا: هناك الديون التي تزداد أمام نقص الخدمات، ورابعًا: إحساس معظم الشعوب العربية بخيبة أمل من حكوماتها ما يعنى أن هناك حاجة متزايدة للتغيير.

 

وأشار تقية إلى تنامي الخوف والنزاعات الطائفية والحركات الانفصالية وتدخلات القوى الإقليمية والدولية عقب ثورات الربيع العربي، مشيرًا إلى التحولات السياسية الجارية في الفضاء السياسي خارج المجال العربي بصعود الشعبوية التي لا تضع الديمقراطية على سلم أولوياتها وتقدم الجانب الأمني على كافة الأمور، ولن تقف هذه الشعبوية مع الربيع العربي مجددًا.

 

وعن السيناريوهات المقبلة توقع الباحث بمركز الجزيرة للدراسات أن يكون هناك دفع أكبر إلى العنف ببقاء قوى تسلطية مدعومة من قوى إقليمية ودولية واستمرار الأوضاع على ما هي عليه، وقد ترى بعض المجموعات أنه لا تغيير سلميًّا للأوضاع وتتبنى خيار العنف لإحداث التغيير. وأكد تقية أن التغيير قادم لا محالة في ظل عدم تحمل الشعوب للأوضاع الراهنة وأن احتمالات التغيير السلمي تقل وتتجه إلى الخيارات الأعنف.

 

رينالدي: العمل المؤسسي مدخل لإعادة الثقة للشعوب العربية

قال نيكولو رينالدي، رئيس وحدة آسيا في البرلمان الأوروبي: إنه من الصعب توقع انفجار تغييرات جديدة في المنطقة، لافتًا إلى أن هناك دروسًا من الماضي، فلم يتوقع أحد ما حدث عام 2011. ونوَّه بأن التغيير يأخذ وقتًا كبيرًا مثل الثورة الفرنسية، مشيرًا إلى بعض أسباب الغضب المجتمعي مثل البطالة والتعليم ونسبة الشباب الكبيرة في المنطقة وأن معظم النزاعات تقع في العالم العربي. وأشار إلى أن المشكلة تكمن في غياب مساحة سياسية لحدوث التغيير بطريقة عقلانية فالدخول إلى عالم السياسة محدود والتواصل بين المؤسسات محدود أيضًا فضلًا عن الفساد وغياب المحاسبة.

 

وأكد رئيس وحدة آسيا في البرلمان الأوروبي أن الشعوب إذا لم تجد مساحة مؤسسية للتغيير، فسوف تصنع هذه المساحة بنفسها عبر بدائل منها وسائل التواصل الاجتماعي. ورغم تفكيك شبكة المتظاهرين في الربيع العربي والتي كانت مدهشة لأوروبا بأكملها إلا أن بعضها لا يزال فاعلًا. وشدد رينالدي على أن أوروبا ليس لديها أي يقين تجاه تطورات المنطقة ومآلاتها، مطالبًا ببناء جسور للتواصل، وعدم الوقوع في مصيدة التشاؤم، وأنه يمكن إعادة التفاؤل والثقة للشعوب عبر العمل المؤسسي.