استعرضت الجلسة الثانية من أعمال منتدى الجزيرة الثاني عشر في يومه الأول العلاقات بين دول الخليج وإيران في ظل الظروف التي تمر بها المنطقة، والتحديات التي تواجه استقرارها، وكان عنوان الجلسة "الخليج وإيران بين التعاون والتنافس واحتمالات المواجهة"، وتحدث فيها كيهان برزكر، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في طهران، وباسل حسين، نائب مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في العراق، وعبد الكريم الأسلمي، نائب في البرلمان اليمني، وفاطمة الصمادي، باحث أول بمركز الجزيرة للدراسات، وبوريس زالا، عضو لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي.

 

حسين: منطق "إيران الثورة" بدل "إيران الدولة" يعقِّد تعاملها مع العرب

قال باسل حسين، نائب مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في العراق: إن هناك صورة ذهنية لدى الشعوب العربية عن إيران، مستحضرًا تاريخ العلاقات العربية-الإيرانية الذي يختزن -حسب رأيه- كثيرًا من هذه العلاقات. وتساءل عن سبب عدم تقدم العلاقات الإيرانية-العربية، وأضاف أن الصراع ظل الطابع السائد الذي يميز تاريخ هذه العلاقات منذ عام 1979، حيث "ارتدت إيران عباءة الثورة"، بدل "إيران الدولة"، ومن ثم فإن المشكلة مع إيران كونها تتعامل مع العرب بهذا المنطق خلافًا لتعاملها مع الغرب، حيث تقدم نفسها كـ"إيران الدولة".

 

واستدل باسل على هذا الطرح بمفاوضات الملف النووي الإيراني، وكيف أظهرت إيران نفسها كمفاوض سياسي يتبنى خطابًا غير مذهبي، وقال: "مشكلتنا مع إيران الثورة تصعِّب من التعامل معها". ولفت في هذا السياق إلى ملمح تاريخي، وقال: "حينما يصعد تيار معتدل إلى الحكم في إيران تحدث تفاهمات واتفاقات، وفي إطار العلاقات الخليجية-الإيرانية يوجد دومًا تباين وتمايز في العلاقات، دون إغفال أن العالم الدولي يلقي بظلاله عليها، ويستثمر فيها".

 

وأشار المتحدث إلى أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يُعَدُّ أول رئيس في الولايات المتحدة يُدخِل مفهوم الإتاوة في العلاقات الدولية، أي الدفع مقابل الحماية، "ونرى أن عقلية التاجر تسيء إلى دور الدولة العظمى في العالم، ويجب ألا يُنظَر إلى الصراع مع إيران بمنطق الدفع". وأشاد باسل بقدرة المفاوض الإيراني، الذي يتبع سياسة الجلوس على الطاولة إلى أن أنهك الغرب وحقق الاتفاق الذي يخدم مصالحه.

 

وفي سياق حديثه عن التدخل الإيراني في المنطقة، قال باسل: إن رئيس الوزراء في العراق لا يُنَصَّب إلا بموافقة الولايات المتحدة وطهران والنجف، واستذكر واقعة فوز إياد علاوي الذي لم يتمكن من تشكيل الوزارة رغم فوزه في الانتخابات، بسبب الفيتو الإيراني. وبخصوص الأزمة الخليجية، ذكر أن العراق يحاول النأي بالنفس فيما يتعلق بالأزمة الخليجية، على الرغم من عدم وجود صانع قرار واحد في العراق بسبب ضعف السياسة العراقية وظهور الأجنحة.

 

وبشأن سيناريوهات العلاقات الإيرانية-العربية، قال باسل: إن هناك ثلاثة سيناريوهات، فإما:

  1. الحرب وتأجيج الصراع المسلح.
  2. أو الاحتواء والإبقاء على حالة الوضع الراهن.
  3. أو السعي إلى إنشاء محور خليجي-تركي-إيراني، مقابل أن تتخلى إيران عن سياسة إيران الثورة.

 

الأسلمي: إيران تحركها محددات عقدية ومصالح سياسية في المنطقة

من جانبه، تحدث عبد الكريم الأسلمي، النائب في البرلمان اليمني، عن العلاقات العربية-الإيرانية، ومحركات الصراع في المنطقة، معتبرًا أن المحرك الأساسي للسياسات الإيرانية في المنطقة هو خليط بين المحددات العقدية والمصالح السياسية. وضرب مثلًا بما يجري في اليمن، حيث إن هناك تدخلًا خليجيًّا وآخر إيرانيًّا؛ الأمر الذي حوَّل اليمن إلى ساحة صراع بين الطرفين، متخذًا من اليمنيين أدوات له.

 

واعتبر الأسلمي أن إيران تنفي على المستوى الرسمي علاقتها باليمن، لكن الحوزات في إيران تدعم الحوثيين ماديًّا وإعلاميًّا، وقد اتضح هذا الدعم بعد ثورة الشباب، وهو ما مكَّنها من إيجاد نفوذ يهدف إلى وضع الصراع في الخليج ضمن استراتيجيتها الدفاعية. ونفى أن تكون جماعة الحوثي منسجمة تمامًا مع إيران، التي تستغل العلاقة مع الحوثيين لخدمة مصالحها، مثلما أوجدت علاقات مع أطراف سنية في تعز، وأمدتهم بالعتاد والتدريب. ونبَّه إلى أن إيران تبحث عن موطئ قدم في اليمن يحقق استراتيجيتها في ظل عدم وجود رد مناسب من قبل الخليج ضد هذه السياسة.

 

وفي استعراضه لعلاقات اليمن بدول الخليج، قال الأسلمي: إن الإيرانيين يشتغلون بشكل منظم، بينما الآخرون في المنطقة يعملون بخواء استراتيجي، ما دامت دولهم ملحقة بأطراف خارجية. وقال إن دول الخليج لا تسعى إلى هزيمة إيران في اليمن، بقدر ما تسعى إلى تحقيق مصالح محددة، لكنها ستخسر بالتأكيد، "وقد رأينا كيف خرجت قطر من التحالف العربي في اليمن، وغيَّرت خطابها من الصراع، وكشفت ما يجري في اليمن".

 

الصمادي: الصراع بين إيران والسعودية جيوسياسي وليس مذهبيًّا

ركزت فاطمة الصمادي، الباحث أول في مركز الجزيرة للدراسات، في مداخلتها على مسار العلاقات السعودية-الإيرانية، باعتباره لا يخص مستقبل الخليج فقط، بل الشرق الأوسط برمته. وقالت: إن جوهر الصراع بين الطرفين جيوسياسي وليس مذهبيًّا، وإن التاريخ سجَّل وقوع حوادث مثل حادث الحج عام 1979. واستعرضت الصمادي، بحسب دراسة أجراها مركز الجزيرة للدراسات، نبرة وطابع التصريحات بين الطرفين، وقالت إنها ظلت متوترة، وكيف أن جزءًا من الصراع ينصب حول السيطرة على العالم الإسلامي، ودخول قضايا اقتصادية على الخط.

 

وأشارت إلى أن اليمن موضوع رئيسي في حالة الصراع الراهنة، التي ستزداد في ظل عدم وجود حل سياسي، وتوقعت أن مستقبل العلاقات هو الصراع والتوتر بعد تحليل تصريحات عدد من صانعي القرار في إيران، بينما أشارت إلى أن المواجهة المسلحة حققت نسبة ضعيفة جدًّا.

 

وبشأن قضايا الأمن الإقليمي، قالت الصمادي إنها اتخذت أبعادًا أخرى بعد احتلال العراق، فإيران تتهم السعودية بأنها تقف وراء زيادة الوجود الأميركي، وتحمِّل السعودية المسؤولية عنه، إضافة إلى شنِّ حرب في أسواق النفط، ورفع الأسعار لضرب الاقتصاد الإيراني، فضلًا عن الاتهام المتبادل بدعم الارهاب.

 

وقالت: إن الخليج في التصريحات الإيرانية بارز بنسبة معتبرة، كما أن بعض المسؤولين يرون أن السعودية تعاني من حالة فشل في سياساتها الإقليمية، وأن القيادة السعودية ينقصها النضوج السياسي، وهي تمارس سياسة هجومية تدعم الإرهاب، كما أنها سعت إلى إفشال الاتفاق النووي الإيراني.

 

برزكر: أميركا وإسرائيل تهددان إيران وليس دول الخليج

قال كيهان برزكر، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في طهران: إن إيران ليست المصدر الأساسي لعدم الاستقرار في المنطقة، وإن هناك الكثير من التوتر الذي يتم ربطه بإيران، مشيرًا إلى ضرورة النظر إلى هذه التوترات من المنظور الإيراني. وأوضح أن ما يُنظَر إليه باعتباره وجودًا إيرانيًّا في المنطقة يرتبط بتحديات جيوسياسية لها تأثيرها على الأمن القومي الإيراني مثل تنظيم الدولة والقواعد الأميركية. وقال: إن هناك حاجة لفهم الوجود الإيراني من منظور الخطاب المحلي، فالحكومة تواجه العديد من التحديات التي تأتي من المنطقة.

 

وأضاف أن الأساس الذي يجعل هناك حضورًا لإيران في المنطقة، يتعلق أيضًا بالاتفاق النووي، لأن غياب الأمن متعلق بالقوى الكبرى، وإعادة تعريف الاتفاق النووي يشغل الخطابات الإيرانية الداخلية؛ حيث تحاول القوى الغربية وضع مسار جديد للاتفاق. وتوقع أن تكون هناك سياسيات استباقية من إيران لمواجهة تهديدات الأمن القومي الإيراني.

 

وقال: إن دول الخليج لا تمثل التهديد المباشر لإيران ولكن الأمر يهم الولايات المتحدة وإسرائيل وأيضًا بعض الدول الخليجية المرتبطة بأميركا. وأكد أن إيران لم تستفد من فرصة الأزمة القطرية بل ترى فيها تهديدًا ولكن مع الشعور بانعدام الأمن وعودة الحديث عن عقوبات في ظل إدارة الرئيس، دونالد ترامب، فإن إيران ستلعب دورها، "ومن يريدون من إيران أن تغيِّر سلوكها، عليهم أن يغيروا من خطابهم ضدها. والحصار لن يحل المسألة فقد عاشت إيران والولايات المتحدة ذلك لعقود من الزمن".

 

وشدَّد على أهمية الاستفادة من الدور الإيراني وأن وجود إيران قوية سوف يؤدي إلى تفاهمات أكبر مع دول المنطقة، وأن تجاهل هذا الدور سيؤدى إلى نتائج عكسية. وقال: لابد من الاستفادة من الوضع الجيوسياسي في المنطقة، بما في ذلك السعودية التي يجب أن تنظر للداخل لتكون دولة قوية، وهو أمر مقبول، والاعتماد على مصادر القوى الخاصة بها ولكن بشكل بنَّاء لمواجهة التهديدات والوصول إلى تفاهم يعزِّز أنظمة تهتم بقوتها الداخلية، وبما يساعد كل دولة على أن تلعب دورها لتحقيق الاستقرار بالمنطقة.

  

زالا: المنطقة العربية تحتاج لإدارة تناقضاتها كما الاتحاد الأوروبي

أكد بوريس زالا، عضو لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي، على أهمية إدارة التناقضات بين دول المنطقة بشكل يضمن عدم تطورها إلى حروب. وقال: إن الجميع يركز على الولايات المتحدة الأميركية، لأن الحل النهائي للعبة الجيوسياسية يكون بالحرب، ولأن أميركا أكبر قوة عسكرية في العالم والكل يعلم أنها ستتدخل لمصالحها.

 

وأوضح أن الاتحاد الأوروبي ليس قوة عسكرية كبرى ولكن الخطوة الناجحة التي شكَّلت الاتحاد هي قدرته على إدارة التناقضات الكبيرة "فلدينا فرنسا وألمانيا مثل السعودية وإيران، وأيضًا هناك المقاطعات المتداخلة التي يمكن أن تخلق حروبًا بالوكالة، والاختلافات داخل الديانات مثل البروتستانت والكاثوليك والشيعة والسنة بالمنطقة وأيضًا التنافس بين المحافظين والتقدميين وغيرها من المحاور المهمة للوصول إلى حلول سلمية للعبة الجيوسياسية في هذه المنطقة".

 

وشدَّد على أن أوروبا مثال جيد للتغلب على ما وصفه بالجحيم في المنطقة وضرورة إيجاد تعاون قائم ليس فقط على الفعالية ولكن إدارة المنطقة بطريقة جيدة، بحيث تبقى المنافسة موجودة في الاتحاد الأوروبي ولكن في نطاق المؤسسات والإدارة السلمية للعلاقات. وتضع المؤسسات قواعد تمنع الدخول في حروب أو معارك فالمهم رغم كل التعقيدات في اللعبة الجيوسياسية والمنافسة أن تتم إدارتها بطريقة سلمية.