أكد المتحدثون في الجلسة السابعة من أعمال منتدى الجزيرة الثاني عشر، في يومه الثاني، 29 أبريل/نيسان 2018، أن التغيير قادم لمنطقة الشرق الأوسط لا محالة، وأن الأزمة الخليجية الراهنة سوف يتم حلها، إن عاجلًا أو آجلًا، لأن استمرارها لا يصب في صالح المنطقة. وشارك في الجلسة التي حملت عنوان "أي سيناريوهات مستقبلية تنتظر منطقة الشرق الأوسط؟"، بشير نافع، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط وباحث أول بمركز الجزيرة للدراسات، ومحمد جميل منصور، الرئيس السابق لحزب تواصل الموريتاني، وعبد العزيز آل إسحاق، كاتب ومحلل سياسي قطري، وسيف الدين عبد الفتاح، أستاذ العلوم السياسية.

 

نافع: النظام الإقليمي غير قادر على الاستمرار وفاقد لمبررات وجوده

قال بشير نافع، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط وباحث أول بمركز الجزيرة للدراسات: "إن ثمة أزمة في العلاقات الخليجية ومجلس التعاون وأظن أنها ستطول وتؤشر إلى نهاية مجلس التعاون"، ورجَّح أن ينتهي حصار قطر قبل نهاية العام، لافتًا إلى أن لذلك علاقة وثيقة بالسياسة الأميركية في المنطقة، حيث سيضغط الأميركيون لإنهاء الحصار؛ لأن هناك في الأفق جولة جديدة من التوتر والمواجهة مع إيران. وشدد على أن مسألة إيران والعرب ستطول، وإيران لن تنسحب من العراق أو سوريا بدون حرب؛ حيث يرى الإيرانيون أن هناك فراغًا في المنطقة منذ الغزو الأميركي للعراق وأن لهم حقوقًا ومصالح، معتبرًا أن هناك حالة من الغرور الإيراني، ومن الاستخفاف في الجانب العربي، "وسنحتاج إلى وقت لتتعامل إيران بعقلانية مع جوارها العربي". 

 

وأوضح أن هذه المسائل يمكن إرجاعها إلى ثلاثة توجهات رئيسية وربما تزداد تبلورًا في المستقبل، وهي أن الثورات العربية المضادة لم تنتج أنظمة تحظى بدعم الشعوب ولم تطرح بدائل ولا أحد يستطيع أن يقول: "إننا أمام موجة تغيير أخرى". وثانيًا: نشهد منعطفًا جديدًا في النضال الفلسطيني ربما يؤدي إلى متغيرات في استراتيجية حركة التحرر الوطني. وثالثًا: أن الشرق الأوسط منطقة قلقة وغير مستقرة ولكن لم تمر بفترة بهذه السيولة في الصراعات والعنف وعدم الاستقرار. 

 

وأشار نافع إلى أن هناك أزمة كبرى وإخفاقًا حقيقيًّا في حركة الثورة العربية المضادة كما ستكون هناك جولة جديدة في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وقال: إن هناك توجهًا الآن لكبح إيران إقليميًّا فيما لا توجد دولة واحدة مهيمنة ومسيطرة في المنطقة التي ظلت رهينة الغرب. وأوضح أن النظام الإقليمي بالمنطقة وُلِد متأزمًا وتم العمل على احتوائه عبر ميكانيزمات، مثل الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي ولكن لم يعد هذا النظام قادرًا على الاستمرار وأصبح فاقدًا لمبررات وجوده دون أن يحزن أحد عليه. وقال: إن الأزمة في عدم وجود نظام يقود المنطقة لتحقيق آمال شعوبها، فنحن في مرحلة ما بين عجز النظام القديم وانتظار ولادة النظام الجديد وفي هذه الفترة ينتشر العنف والاضطراب وعدم الاستقرار.

 

منصور: تحالفات جديدة تتشكل في المنطقة ومجلس التعاون سيتحول إلى شكل بدون مضمون  

قال السيد محمد جميل منصور، الرئيس السابق لحزب تواصل الموريتاني: إن منطقة الشرق الأوسط تحديدًا تعيش حالة من السيولة والحركية الكبيرة والأحداث التي تتلاحق بشكل لم يكن له سابق في الماضي، وقد أثَّر ذلك على التوقعات بشأن هذه المنطقة. ولفت إلى عدد من الأحداث التي أثرت على التوقعات بشأن المنطقة، فهناك على سبيل المثال تفاهم تركي-روسي-إيراني وذلك على الرغم من التنافس الإقليمي القوي بين هذه الدول، كما أن هناك تحركًا من قبل قادة دول الخليج للدخول في تحالفات مع موسكو، أضف إلى ذلك تقارب الكوريتين والأزمة القطرية وما ترتب عليها من تداعيات، فضلًا عن التقارب الإسرائيلي المعلن وغير المعلن، وأخيرًا الجرأة في السياسة السعودية والإماراتية.

 

وأضاف: مع استمرار الأزمة الخليجية قد تشهد المنطقة في ظل المعطيات المتوفرة محليًّا ودوليًّا، ظهور تحالفات في المستقبل؛ "لأن في وضع كهذا لا يمكن مواجهة ومعالجة تحالفات تستهدفك بإجراءات مؤقتة، كما أنه من الراجح أيضًا أن مجلس التعاون الخليجي سيتحول إلى تحالفات أخرى وسيكون عبارة عن شكل بدون مضمون وأطر بدون حركية". 

 

وأثناء حديثه عن القضية الفلسطينية، أشار منصور إلى أن عدة دول تسير على نحو غير مسبوق في خطوات وصلات وعلاقات من شأنها تصفية القضية الفلسطينية بدلًا من تسويتها، ولا شك في أن إعلان نقل السفارة الأميركية إلى القدس، والمعارضة الخفيفة والخجولة من قبل بعض الأنظمة العربية، وحصر استعمال مصطلح العدو الوحيد في المنطقة على إيران دون التطرق إلى العداوة مع الكيان الصهيوني ولو حتى ضمنيًّا، "فهذا مؤشر مقلق بالفعل".

 

وبشأن الأزمة السورية والوساطة في الملف الليبي وإكراهات الحرب في اليمن والعوامل والتدخلات الخارجية، ذكر منصور أن كافة هذه العوامل تجعل من الصعب التوقع أو التكهن بأية حالة تعتري هذه الملفات، فالمؤشرات مقلقة ومخيفة بصفة عامة؛ فهناك حروب وصراعات في هذه المناطق فضلًا عن تغول وتدخل أجنبي على نطاق واسع، "بما يجعلنا أمام مشهد واسع ومقلق ومخيف في نفس الوقت".

 

وتطرق إلى ما أسماه بـ"الخَوَر العربي، والتدخل الإيراني، والطموح التركي"، لافتًا إلى أنه بعلاج جدي للخَوَر العربي وبوضع حد للتدخل الإيراني مع تهذيب الطموح التركي في المنطقة، "نستطيع أن نتحدث عن لقاء جديد للمكونات الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط لنعود إلى وضعية سليمة نحس خلالها بخطورة التهديد الإسرائيلي في المنطقة".

 

آل إسحاق: الحل الشكلي للأزمة الخليجية سيخلق تنافسًا أبديًّا ومحاولات تكسير العظام

قال عبد العزيز آل إسحاق، كاتب ومحلل سياسي قطري: إن الأزمة الخليجية سوف تُحل ولن تدوم، ويجب الإبقاء على مجلس التعاون الخليجي والحفاظ على وحدته لعدة اعتبارات إقليمية ودولية؛ فهو مهم أمنيًّا للولايات المتحدة وأوروبا في مواجهة إيران وأيضًا لعقد صفقات والتعاون معه لمواجهة أزمات بالمنطقة. ونوه بأهمية المجلس لارتباط الشعب الخليجي به وأن بقاء العلاقة بين شعوب المنطقة جزء لا يتجزأ من الحفاظ على الأسر الحاكمة في الخليج. 

 

وقال: إن هناك حلًّا حقيقيًّا للأزمة الخليجية وآخر شكليًّا. وأوضح أن الحل الشكلي يمكن أن يأتي استجابة لضغوط أميركية ويكتفي بإنهاء حصار قطر وفتح الحدود والإبقاء على مجلس التعاون ليخرج ببيانات لا تتحدث عن قضاياه الفعلية ولجان فرعية تقدم خدمات عادية. وحذر من أن الحل الشكلي سيخلق حالة من التنافس الأبدي بين دول التعاون ومحاولة تكسير العظام وهذا التنافس سيجعل النتيجة مدمرة لمنطقة الخليج ومحيطها. 

 

وأضاف آل إسحاق أن الحل الحقيقي، وهو الصعب، يكمن في العودة إلى ما قبل حصار قطر وأن هذا لن يكون مقبولًا إلا بضمانات دولية مع تعديل قوانين مجلس التعاون لكي لا تتكرر هذه الأزمة أو يتم حلها فورًا وفق لجان فض النزاعات. ونوه بأن الحل الحقيقي سوف يؤدي إلى تأخر كافة المشاريع الخليجية مثل العملة الموحدة؛ لأن حالة الشك والتوتر سوف تستمر وربما نعود إلى طلب تأشيرة للانتقال بين دول مجلس التعاون مشددًا على أن كل الأطراف بدون استثناء سوف تخرج خاسرة. وقال آل إسحاق: إذا لم تحل الأزمة حلًّا حقيقيًّا فإن الإرهاق المالي لدول الخليج سوف يؤدي بها إلى تقاسم الصراع والنفوذ في المنطقة لافتًا إلى أن الربيع العربي حي ولكنه ينتظر أن يكون هناك ربيع خليجي ينطلق منه من جديد.

 

عبد الفتاح: التغيير قادم وكبير بمنطقة الشرق الأوسط  

شدَّد الدكتور سيف الدين عبد الفتاح، أستاذ العلوم السياسية، في مداخلته، على ضرورة أن تكون للعرب رؤية ومشروع وعدم الاكتفاء بالوقوف على هامش ما يخططه الغرب للمنطقة. وقال: إن التغيير المضاد الذي حدث بعد الثورات العربية ومواجهتها تغيير زائف وساندته تحالفات إقليمية عميقة ودنيئة. وأوضح أن التغيير القادم كبير وسوف يأتي لا محالة وتنتظره المنطقة لاعتبارات كثيرة، لأن النظام الإقليمي العربي وشرق الأوسطي تشرذم وقارب على الانهيار في ظل حالات الصراع المرير والمريض. وقال: إن هذا التغيير يعبِّر عن عناصر مهمة وليس تمنيات ويرتبط بآفاق الانحطاط الراهن وقنابل الدخان التي تطلقها الأنظمة التي ارتعبت من الثورات العربية. وأكد على ضرورة بناء رؤية استراتيجية وإعداد لهذا التغيير القادم، ورغم أن الظروف معاكسة إلا أن إرادة الشعوب موجودة وتتراكم.

 

وأشار إلى أن صفقة القرن مشروع أُعد مسبقًا في إطار تفكيك هذه المنطقة وإعادة ترتيبها ضد مصالح شعوبها ودولها، إلا أنها وجدت مقاومة لا بأس بها. وأضاف: رغم أن بعض النظم حاولت تمرير هذه الصفقة ولكن ملحمة القرن بمسيرة العودة الفلسطينية ستكون أمرًا عظيمًا في مواجهة هذه الصفقة. وقال: إن من يتحدث عن وطن بديل يعيش وهمًا كبيرًا ومسيرة العودة حين تبدأ من فلسطين فإنها تنتقل إلى مسيرة عودة أخرى لشعوب هُجِّرت وقُتلت وقُهرت لأن الاستبداد يجلب الغزاة.

 

ونوه عبد الفتاح بأن من ضمن عملية التغيير الكبير، فشل حصار قطر. ورغم اجتماع دول كبيرة في الخليج على دولة صغيرة، إلا أن قطر قدمت نموذجًا في إدارة الأزمة وصناعة الإرادة الذاتية ومواجهة التآمر على دولة وشعب. وشدد على أن التغيير الكبير ليس بانتهاء أزمة خليجية ومواجهة صفقة القرن فحسب ولكن بمواجهة مشروع كبير يريد تفكيك المنطقة ولابد أن يكون هناك عقل استراتيجي كبير لمواجهة الطغاة والغزاة.