أكد خبراء وباحثون أن الأزمة الخليجية الراهنة تزيد من ضعف العالم العربي، وأنها أصابت مجلس التعاون الخليجي بالمرض العربي من ترهُّل وخلافات مؤكدين أنها صورة مؤلمة للعرب حين نرى قوى إقليمية ودولية غير عربية، مثل روسيا وإيران وتركيا، تقرر مصير دولة عربية مثل سوريا.
جاء ذلك في مستهل اليوم الثاني لأعمال منتدى الجزيرة في نسخته الثانية عشرة، التي تستضيفها الدوحة يومي 28 و29 أبريل/نيسان 2018، بعنوان "الخليج، العرب والعالم، في سياق التطورات الجارية" بمشاركة نخبة من السياسيين والخبراء والمفكرين والإعلاميين من كافة أنحاء العالم. وشارك في الجلسة الرابعة التي حملت عنوان "الشرق الأوسط في ظل تغير التحالفات الإقليمية والدولية"، الدكتور عبد الله الشايجي، رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الكويت، وغالب دالاي، مدير قسم البحوث في منتدى الشرق، وليونيد إيساييف، أستاذ مشارك في جامعة البحوث الوطنية في روسيا، وإلهه كولايي، أستاذة العلوم السياسية بجامعة طهران ونائب سابق في مجلس النواب.
الشايجي: الأزمة الخليجية زادت العرب ضعفًا ومجلس التعاون ترهلًا
قال الدكتور عبد الله الشايجي، رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الكويت، في بداية الجلسة الرابعة بعنوان "الشرق الأوسط في ظل تغير التحالفات الإقليمية والدولية": "إننا نعيش في شرق أوسط يتسم بسيولة من الصراعات وعدم اليقين، ويتم تشكيله من لاعبين خارجيين وليس لنا فيه كعرب أي دور أو مشروع أو رؤية"، مستشهدًا بانتشار النفوذ الإيراني في المنطقة في عهد الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما. وأشار إلى أن مجلس التعاون الخليجي الذي كان يُعَدُّ بؤرة الاستقرار الوحيدة بالمنطقة، أصابه المرض العربي من الترهل والخلافات، مشددًا على أنها "صورة مؤلمة للعرب حين نرى روسيا وإيران وتركيا تقرر مصير دولة عربية مثل سوريا".
وقال: إن مجيء الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، زاد من معاناة الدول العربية، كما أن الرهان على مواقفه أدى إلى ارتباك وخلط الأوراق وحسابات خاطئة، وأشار إلى أن القمة العربية الـ29 التي عُقدت في الظهران بالمملكة العربية السعودية لم تحل شيئًا، بل رسخت الانقسام العربي، ولم تناقش الأزمة الخليجية وفضحت ترهل العرب، وشدَّد على أنه لا توجد مواجهة مباشرة في الأفق بين السعودية وإيران.
وحول أبعاد وتداعيات الأزمة الخليجية على مستقبل مجلس التعاون وتوازن القوى بالمنطقة، قال الشايجي: "إن القادم أسوأ وعلى حسابنا، ونحن في شرق أوسط جديد، والنظام العالمي الجديد لا يحترم الضعفاء والأزمة الخليجية تزيد العرب ضعفًا". وأضاف أن بعض الدول العربية أصبحت فاشلة، ولا تستطيع تأمين الحاجات الأساسية لشعوبها. وهناك منظمات داخل الدولة أقوى من الدولة نفسها، مثل الحشد الشعبي في العراق، وهو ما يُضعف الدولة العربية من الداخل، مؤكدًا "أننا نواجه صراعات غير متماثلة بهدف إضعاف الدولة المركزية".
دالاي: حالة انفصام الأمن الوطني تزعزع استقرار المنطقة
أشار غالب دالاي، مدير قسم البحوث في منتدى الشرق، إلى الحديث الذي كان سائدًا بداية الربيع العربي حول منطق الرابحين والخاسرين؛ إذ "كنا نقول: إن دولًا مثل قطر وتركيا رابحة، بينما إيران خاسرة، لكننا اليوم نرى أن منطقًا جديدًا يفيد أن قطر وتركيا خاسرتان، وإيران هي الرابحة". واعتبر أن الشرق الأوسط لا يعرف وضعًا راهنًا مستدامًا، والمكاسب فيه قابلة للتغير في أي وقت، حيث كان الحديث سابقًا عن تعزيز الأمن الإقليمي، واليوم ظهر مفهوم تعزيز الأمن الوطني لكل دولة.
وتطرق إلى حالة انفصام عند الحديث عن الأمن الوطني للدول، فالسعودية عندما تتحدث عن أمنها الوطني فهي تدرج البحرين وغيرها ضمن حدود هذا الأمن، كما أن إيران عندما تتحدث عن أمنها تضم حزب الله وغيره من شبكاتها في المنطقة، "وبالتالي، فنحن أمام أمن قومي متشابك وليس مفردًا بحد ذاته، وكل بلد عندما يريد حماية أمنه بهذه الطريقة فهو يزعزع أمن الآخرين".
وأكد على أن خطاب محاربة الإرهاب جزء من هذه المشكلات، ومنذ أن بدأت أميركا هذه الخطوة شرع الجميع في تبرير سياساته بما يخدم جهوده في محاربة الإرهاب، "ونحن اليوم أشد ما نكون حاجة إلى تحديد معنى الإرهاب، لأن الحرب على الإرهاب من المشاكل التي تؤثِّر على الأمن في الشرق الأوسط وعلى التكتلات الإقليمية، كما أن الإرهابيين عرفوا مصادر هذه القوى وبدأوا يغيرون خططهم".
وصنَّف دالاي ثلاث مجموعات إقليمية ظهرت إلى الوجود، بسبب دوائر نفوذ مختلفة مندفعة بالخوف وليس بمنطق التعاون المشترك:
- المجموعة الأولى: وتتمثل في بلدان السعودية والإمارات والبحرين ومصر، التي تصطفُّ مع إسرائيل وإدارة ترامب، والتي تسعى لنظام سياسي جديد، مثل محاولات ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لبناء حكم جديد.
- المجموعة الثانية: وتشمل إيران وشبكتها الأمنية الإقليمية، وهي قوة مركزية ومتحالفة مع نظام الأسد والحكومة العراقية والحوثيين في اليمن، ولديها تجانس داخلي أفضل، وتنطبق عليها فكرة الأمن الإقليمي أكثر، كما أن مراكز الأبحاث الإيرانية ترى أن هذه الشبكات هي الأساس، علمًا بأن هذه التحركات تولِّد ردات فعل ضد إيران، وتسبب المشاكل، فكل امتداد إيراني يتصرف بمعزل عن بيئته، ويؤدي إلى إثارة مخاوف أمنية لدى الآخرين.
- المجموعة الثالثة: هنا يلاحظ أن تداعيات موجة الربيع العربي غيرت لغة الحوار، وجعلت الشرق الأوسط يدخل مرحلة جديدة، وفرضت نوعًا جديدًا من التعاملات، واليوم بشأن أزمة قطر مع دول خليجية، يأتي بقاء الدولة واستمرار النظام على رأس الأولويات، مثلما نرى أن تركيا بدأت تعمل على إعادة ترتيب نفسها إقليميًّا.
وخلص إلى أن هذه المجموعات الثلاث، في الوقت الذي تعمل على تعزيز أمنها الداخلي، فهي بالضرورة تزعزع الأمن الإقليمي، وتثير حفيظة دول المنطقة.
إيساييف: الفاعلون الدوليون أكثر المستفيدين من الفوضى في المنطقة العربية
قال ليونيد إيساييف، أستاذ مشارك في جامعة البحوث الوطنية في روسيا: إن هناك جهودًا تُبذل لإعادة ترتيب قواعد اللعبة في النظام الإقليمي للمنطقة بعد انهياره بسبب الربيع العربي. وتطرق إلى التحولات الكبرى التي تجري في المنطقة وخارجها، ولاحظ وجود عاملين:
- العامل الأول: ويتعلق باللاعبين الإقليميين ودورهم في المستقبل، ويرى أن هؤلاء لا يزالون غير مستعدين لصياغة أجنداتهم الخاصة بالمنطقة، وذلك بسبب قلة الخبرة، وسياسات القوى الإقليمية الفاعلة المشخصنة، والميل نحو حل القضايا بطرق راديكالية، وهذه أهم نقطة أمام حالة الفشل في خلق أجندة خاصة.
- العامل الثاني: ويتعلق بالفاعلين الدوليين مثل روسيا، والفاعلين الآخرين، الذين لا يبدون اهتمامًا بحل مشاكل الشرق الأوسط، على الرغم من الحديث عن أدوار في قضايا إقليمية خاصة في روسيا وليبيا وفلسطين وملف القدس، فالدول الفاعلة مهتمة بالوضع الراهن في الشرق الأوسط لاستخدامه في مقارباتها ومصالحها مع بعضها.
واعتبر إيساييف القضية اليمنية أخطر أزمة في هذا القرن، "لكننا لا نرى أن أحدًا من القوى الدولية مهتم بحلها، بل هناك عدم اهتمام كامل من قبل هذه الدول، وبخاصة من وزارات الخارجية المعنية، ودوائر صنع القرار، وبالتالي فلا أعلم إن كان لدى أحد حل لمشاكل الشرق الأوسط، بل إن أكثر المستفيدين من هذه الفوضى هم الفاعلون الدوليون".
وعن إمكانية فتح نقاش مع روسيا بشأن إيجاد حلول للقضايا الإقليمية، قال الباحث الروسي إنه من الصعب إجراء أي نقاش مع الروس بشأن قضايا الشرق الأوسط، هم يبدون استعدادًا لبحث قضايا جزئية، لكن دون التطرق للقضايا الجوهرية، وكمثال على هذا مؤتمر سوتشي، الذي يظهر أنه لم يقدم حلولًا للأزمة السورية، بقدر ما عمل على تحقيق بعض المكاسب الظرفية للنظام السوري، ولم ينه أزمة الشعب السوري.
حافظ: الشرق الأوسط سيؤول إلى دول هشة تغير تحالفاتها حسب المصالح المؤقتة
تناول محمد حسام حافظ، أستاذ القانون الدولي فى جامعة قطر، فوضى التحالفات فى المنطقة، مشيرًا إلى أن الشرق الأوسط منذ نشأته قبل 100 عام بعد اتفاقية سايكس-بيكو حمل بذور نزاعات وخلافات؛ لأنه لا يعبِّر عن حالة مصالح مشتركة.
وحذَّر من أن هناك أخطارًا جديدة بإعادة تشكيل المنطقة بطريقة غير تقليدية من خلال ظهور فاعلين غير حكوميين مثل الميليشيات فى سوريا ولبنان وتعامل دول مثل الولايات المتحدة مع عناصر من حزب العمال الكردستاني وهو تعامل غير صحيح يكسر نمطية الدولة ويحدث على مرأى من العالم. وقال: إن الشرق الأوسط يتغير من الداخل؛ فالدول قائمة ولكن فى الداخل هناك دويلات داخل الدول.
وأوضح أستاذ القانون الدولي فى جامعة قطر أن التحالفات بالمنطقة منذ نشأتها تتميز بطابع مؤقت وهش، وهو ما يخالف المنطق السياسي الطبيعي، وتتعلق هذه التحالفات بمصالح مؤقتة قد تتعارض مع مصالح طويلة الأجل، لافتًا إلى أن هناك حلفًا ضد ثورات الشعوب العربية والمنطق يقول إنه يجب مساندة الشعوب وليس الأنظمة وأن هذه التحالفات تحولت إلى فعل سياسي لوقف مسيرة الربيع العربي وهذا خارج إطار المنطق ويرتبط بمصالح مؤقتة.
وأشار إلى الأزمة الخليجية الراهنة قائلًا: إن مجلس التعاون الخليجي كان نموذجًا واعدًا للدول العربية "ولكننا نشهد الآن محاولة لتفكيكه وإخراجه من مضمونه". وأضاف أن منظومة القيم المشتركة لدول المنطقة كان من المفروض أن تكون أساسًا للتحالف وهو ما لم يحدث لافتًا إلى أن التحالف الروسي-الإيراني-التركي غريب؛ فلا مصلحة تركية فى وجود فعَّال لإيران أو روسيا فى سوريا؛ فهي تحالفات قائمة على مصالح وقتية سوف يتجاوزها الزمن.
وأكد أستاذ القانون الدولي فى جامعة قطر أن الشرق الأوسط الذي ننتظره هو دول هشة تعاني فى كثير من الأحيان، وتغيِّر تحالفاتها حسب المصالح المؤقتة. وعوَّل حافظ على وعي الشعوب وأنها لم تعد كما كانت مغيبة قبل الربيع العربي. ورغم أن هذه الشعوب تراجعت وتمت إعادة ديكتاتوريات ولم تنجح الثورة السورية حتى الآن، إلا أنه لا يمكن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء وتحولت الشعوب إلى فاعل سياسي.
كولايي: التعاون الإقليمي والحوار المباشر يحقق تفاهمًا أكبر لصالح المنطقة والعالم
دعت إلهه كولايي، أستاذة العلوم السياسية بجامعة طهران ونائب سابق في مجلس النواب، إلى التعاون الإقليمي والحوار المباشر لتحقيق تفاهم أكبر لصالح المنطقة والعالم. وقالت: "إن منطقتنا تفتقر إلى التنمية والتقدم"، مشيرة إلى أنها أكثر مشتر للسلاح والمعدات العسكرية وفقًا للبيانات الدولية في العقود الماضية. وأوضحت أن هناك تهديدات تواجه المنطقة والأمن الإقليمي في غياب الحوار والتفاعل المباشر بين دول المنطقة وهناك تأثير للخطط الخارجية باسم التحول الديمقراطي "ونرى هذه النتائج فيما يسمى بالربيع العربي والوضع الكارثي في سوريا".
ولاحظت أن "هناك رغبات وميول لتغيير السياسات وقواعد اللعبة فى المنطقة عبر ما يسمى ثورات الربيع العربي ومقاومة الحكومات والقوى التقليدية ولابد من التركيز على التنمية في منطقتنا". وأضافت أن إيران دفعت ثمنًا كبيرًا لحماية حقوق الشعب السوري وأن تجاهل الدور البنَّاء لإيران خلال العقود الأربعة الماضية هو تجاهل لقدرتها على إرساء السلام في المنطقة كلاعب مهم وبنَّاء، ودعت إلى التعاون الإقليمي والحوار المباشر لتحقيق تفاهم أكبر لصالح المنطقة والعالم.
وفي معرض مناقشته لكلمة كولايي، قال الدكتور عبد الله الشايجي: إن إيران عليها أن تعيد حساباتها في المنطقة وأن تستعد لمواجهة زلزال خلال الأسبوعين المقبلين مع إعادة الإدارة الأميركية النظر في الاتفاق النووي. وشدَّد على دور إيران في تعميق أزمة الشعب السوري، متسائلًا: "إذا كنتم تنصرون المستضعفين فهل السوريون ليسوا شعبًا مستضعفًا؟!".