استأثرت القضية الفلسطينية بجلسة حوارية خاصة في أعمال منتدى الجزيرة الثاني عشر، خلال يومه الثاني، 29 أبريل/نيسان 2018، بالدوحة، والذي ينعقد تحت عنوان "الخليج، العرب والعالم في سياق التطورات الجارية". وكانت الجلسة بعنوان "القضية الفلسطينية في سياق الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل وترتيبات صفقة القرن"، وتحدث فيها كل من إيلان بابي، مدير مركز الدراسات الفلسطينية في جامعة إكستر، ومحسن صالح، رئيس مركز الزيتونة للدراسات، وهاني المصري، مدير مركز مسارات في فلسطين، وساري عرابي، كاتب ومحلل سياسي فلسطيني، وإبراهيم فريحات، رئيس برنامج ماجستير إدارة النزاعات والعمل الإنساني في معهد الدوحة للدراسات العليا.

 

صالح: صفقة القرن تصفية للقضية الفلسطينية وحلُّ الدولتين انهار تمامًا

في مداخلته، أكد محسن صالح، رئيس مركز الزيتونة للدراسات، أن القضية الفلسطينية تعاني من فشل مسار التسوية مهما تم تسويقه، وأن صفقة القرن لن تعدل المسار، بل تريد تصفية قضية فلسطين نهائيًّا. وقال: إن فكرة حل الدولتين قد انهارت تمامًا، والسلطة الفلسطينية تحولت إلى كيان يخدم دولة الاحتلال أكثر مما يخدم مصالح الشعب الفلسطيني، وبالتالي فلا يوجد أفق بأن تتحول إلى دولة فلسطينية مستقلة.

 

وعزا هذا الوضع إلى الأداء الضعيف والمهزوز للقيادة الفلسطينية والقيادات العربية؛ إذ إن هناك حالة فشل في البنية الفلسطينية التي لم تتقوَّ مع السنوات، "ونلاحظ وجود أزمة في القيادة الفلسطينية ورؤيتها، وتحديد الأولويات والمسارات التي تحقق تطلعات الشعب الفلسطيني، فمنظمة التحرير بدل أن تتطور لتعبِّر عن طموحات الفلسطينيين في الداخل والخارج، نراها تقزمت لتصل إلى أداة من أدوات السلطة الفلسطينية".

 

ورأى أن التلويح بصفقة القرن يستدعي تنسيقًا جديدًا بين الهياكل الفلسطينية والمجلس الوطني على الرغم من أن البيئة الفلسطينية تعاني من حالة ضعف، والحالة العربية تعاني الاستضعاف بسبب تداعيات موجة التغيير في المنطقة العربية، وما خلَّفته من استهلاك للفرد العربي، وتوجيه البوصلة نحو اتجاه منحرف، والدخول في صراعات مذهبية وطائفية، مؤكدًا أن البيئة الفلسطينية والعربية هي التي شجعت على الصفقة، رغم أنها ليست مصطلحًا جديدًا بل قديمًا، وكشف عنه مسؤولون كثر.

 

واعتبر صالح أن صفقة القرن لا تتضمن أية إشارة إلى قضية القدس ومستقبل الدولة الفلسطينية أو عودة اللاجئين، "وهو ما يؤكد أننا أمام صفقة تصفية للقضية الفلسطينية وليست تسوية"؛ لأنها لم تقدم الحد الأدنى من تطلعات الشعب الفلسطيني. وحمَّل المسؤولية عن طرح هذه الصفقة إلى الطرف الفلسطيني، "والتي لن تمر شعبيًّا، رغم البيئة النفسية الضاغطة عليه". ونبَّه إلى أن أكثر من 240 مشروعًا عُرضت سابقًا، "لكنها كلها لم تنفذ، بفعل رفض الشعب الفلسطيني ودور المقاومة، وما دام الشعب الفلسطيني رفضها فهي لن تمر، والأمر يحتاج إلى صبر وإعادة بناء للمؤسسات الوطنية الفلسطينية، وتعزيز خط المقاومة رغم ما يعانيه من أزمة".

 

وبالمقابل، رأى أن المشروع الصهيوني يعاني بدوره من حالة أزمة، وفشل في التحول إلى كيان طبيعي في المنطقة، كما يواجه تحديات على المستوى الديمغرافي، الذي يصب في صالح الشعب الفلسطيني. ولفت إلى أن "البنية التي اخترقها المشروع الصهيوني بعد أن طرح صفقة القرن وإلى غاية اللحظة، هي البنية الرسمية، ولم يستطع النفاذ إلى البنية الشعبية، ولم يستطع فرض أجندته، رغم الضغط والسلوك الأميركي المرتبك، الذي بدوره يعاني من أزمات في الداخل".

 

فريحات: صفقة القرن قتلت مبادرة السلام العربية والدعم العربي للفلسطينيين يفشلها  

من جهته، قال إبراهيم فريحات، رئيس برنامج ماجستير إدارة النزاعات والعمل الإنساني في معهد الدوحة للدراسات العليا: إن هناك من يقول: إن صفقة القرن هي بمثابة وعد بلفور جديد، "وأنا اعتقد أنها أكثر من ذلك، بل هي بمثابة كامب ديفيد جديدة، مثل التي أخرجت مصر من معادلة الصراع العربي-الفلسطيني، وأعلنت تراجعها عن إيجاد الحلول، واختلال الموازين".

 

ونبَّه إلى أن ما قيل سابقًا بشأن الدور غير المؤثر لدول الاعتدال العربي في معادلة الصراع ليس صحيحًا، بل كان لها دور في الحفاظ على موازين القوى، واعتبر أن الفلسطينيين بإمكانهم إفشال أي حل على شاكلة صفقة القرن، لكن لابد من الدعم العربي.

 

ولفت فريحات إلى أن صفقة القرن قتلت مبادرة السلام العربية، بسبب عاملين اثنين، هما:

  1. أن إسرائيل حصلت ضمن صفقة القرن على أكثر مما يمكنها أن تحصل عليه منذ أوسلو؛ حيث حصلت على القدس التي لم تحصل عليها في المفاوضات السابقة، وترى من الغباء رفضها.
  2. تعزيز النهج أحادي الجانب وقتل أي خيار تفاوضي، وهو ما تطبقه في بناء الجدار العازل وفرض الحلول الأحادية بشأن القدس والاستيطان وعدم عودة اللاجئين.

 

ورأى أن هذا الأمر أحدث اختلالًا في موازين القوى، لكن على المستوى الرسمي العربي فقط، لأن مواقف الجماهير لا تزال كما السابق، فالعرب قد يختلفون في سوريا واليمن وليبيا، لكنهم يتفقون على شيء واحد وهو فلسطين رغم الفوضى الحالية. وقال: إن هذا ليس شعارًا، بل إن القمة العربية التي احتضنتها السعودية أبانت عن هذا الطرح؛ حيث عُقدت باسم "قمة القدس"، وتم الاتفاق على دعم القضية وتخصيص المساعدات اللازمة. وعزا فريحات ذلك إلى أن القيادة الرسمية العربية تخشى من المواجهة مع الشعوب فيما يخص الموضوع الفلسطيني.

 

وبعد أن أكد على أن الحلول لا تُفرض بدون توفر شرعية شعبية ودولية، قال فريحات: إن صفقة القرن على الأقل على المستوى الإقليمي متعثرة، ومرتبطة بسياقات وملفات إقليمية خاصة ما تعلق بملف إيران ووقف نفوذها وشبكاتها كحزب الله والحوثيين وعلاقاتها بسوريا والعراق. وشدَّد على أن القرار الأميركي يعمل بمقتضى نهج ابتزازي مستمر للعرب، وتساءل: لا أعرف كيف يمكن أن تنفذ الإدارة الأميركية التزاماتها في هذا الشأن؟ مؤكد أن فشل تنفيذ صفقة القرن أمر حتمي؛ إذ إن الشعب الفلسطيني بإمكانه إفشال أي قرار لا يلبي مصالحه وحقوقه.

 

عرابي: الظروف العربية والإقليمية المرتبكة أنتجت صفة القرن

أما الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، ساري عرابي، فأوضح أن صفقة القرن جاءت استثمارًا للحظة الراهنة التي تعيشها المنطقة العربية، خصوصًا بعد فشل مسيرة التسوية التي قامت على القاعدة الإسرائيلية بسبب اختلال موازين القوى العربية. وعزا طرح هذه الصفقة في الوقت الراهن إلى لحظتين أساسيتين، هما:

  1. لحظة وجود الرئيس الأميركي، دونالد ترامب.
  2. الظرف العربي والإقليمي المرتبك الذي يعيش صراعات داخلية وخارجية.

 

وقال عرابي: إن اسرائيل تشعر بأزمة وجودية، وهي ليست آمنة وترى أنها غير مقبول بها في المنطقة، وهذا ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي اعتبر أن المشكلة كانت دومًا مع الرأي العام العربي؛ إذ تخشى باستمرار من زحف عربي مستقبلي، بحكم أنها لا تتوفر على عمق استراتيجي، والذي استعاضت عنه ببناء الجدران لتحقيق الأمن.

 

وبعد تحييد الدور المصري، رأى الكاتب الفلسطيني أن الجبهة الشرقية تشكِّل مصدر قلق مستمر لإسرائيل، ولهذا ظلت ترفض فكرة تبادل الأراضي مع الفلسطينيين في الضفة، وإبقاء النفود فيها. ولفت إلى الدور الذي يلعبه اليمين الإسرائيلي في استثمار اللحظة وما تتيحه الظروف الإقليمية والدولية في ظل وجود الرئيس دونالد ترامب، وهذا ما تحقق من خلال الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل، وما تعيشه المنطقة العربية في ظل الثورات المضادة.

 

المصري: انتصار الفلسطينيين يحتاج رؤية شاملة وشراكة حقيقية   

أكد هاني المصري، مدير مركز مسارات في فلسطين، أن انتصار الفلسطينيين يحتاج رؤية شاملة وشراكة حقيقية، وأن صفقة القرن تحتوي على شطب قضية القدس تمامًا، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، وتبني الرواية الصهيونية ومطالبة العرب بتبني هذه الرواية والاعتراف بالاستيطان، كما تتضمن 60% من الضفة الغربية، ولا يجرى الحديث عن دولة فلسطينية وإنما عن حكم ذاتي. كما أن مركز الكيان الفلسطيني سيكون في قطاع غزة، ولم يحدث أي تغيير جدي في المصالحة التي تنتظر إعلانًا رسميًّا لوفاتها. 

 

وقال المصري: إن استراتيجية الكفاح المسلح في مأزق، مشيرًا إلى معاناة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وأضاف: لابد من تنازلات سياسية من حركة حماس التي يجب أن تتخلى عن الهيمنة لتكون هناك مصالحة قائمة على القواسم المشتركة والبرنامج الوطني، فهناك بارقة أمل في مسيرات العودة السلمية الشعبية التي يشارك فيها جميع الفلسطينيين وتتميز بوحدتها ويمكن تعميمها في كافة الأراضي الفلسطينية وفي الشتات.

 

وقال: لابد من طرح مبادرة سياسية مختلفة تستفيد من الصراع الدائر في المنطقة، فلم يعد هناك طرف أميركي-إسرائيلي فقط، بل ثمة دول إقليمية تصعد مثل تركيا وإيران وهناك روسيا والصين وغيرها. واعتبر أن الرهان الأول والأخير على الشعب الفلسطيني وعدالة قضيته؛ فالانتصار بحاجة إلى توفر رؤية فلسطينية شاملة وشراكة حقيقية.

 

بابي: القدس عاصمة لإسرائيل يدفن حل الدولتين

قال إيلان بابي، مدير المركز الأوروبي للدراسات الفلسطينية: إن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لم ينحرف عن السياسة الأميركية السائدة تجاه القضية الفلسطينية، فهي تقوم على ثلاثة مبادئ: أولًا: أميركا هي الوسيط الوحيد الذي يمكنه جلب السلام، وثانيًا: أن أميركا وسيط منحاز وداعم لإسرائيل، وثالثًا: مبدأ حل دولتين يخضع للتفسير الإسرائيلي بدون حق العودة أو عاصمة لفلسطين فى القدس وأيضًا سيطرة إسرائيل على مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

 

وأكد أن ترامب لم يخلق سياسة أميركية جديدة ولكن أسلوبه مختلف، موضحًا أن الولايات المتحدة كانت تُظهر معارضة لمشروعات إسرائيلية استيطانية باعتبارها تخالف القانون الدولي إلا أنها لم تكن تأخذ أية خطوات بشأنها، ولكن الآن ترامب يقول: "إن الإسرائيليين ينتهكون القانون الدولي ونحن نقبل بتلك الانتهاكات؛ لأنها ضرورية لبقاء إسرائيل"؛ ما يعني إعطاءهم شيكًا على بياض ليفعلوا ما يحلو لهم.

 

وحول نقل السفارة الأميركية إلى القدس، قال بابي: إن هذا الإجراء يدفن حل الدولتين بصورة قاطعة وحاسمة "وكلنا مدعوون لجنازة حل الدولتين في 15 مايو/أيار 2018. وشدَّد على "أننا أمام سياسة أميركية منحازة بوضوح إلى إسرائيل وهذا خطير للغاية في ظل الحصار على غزة وزيادة معاناة الفلسطينيين خلال العامين الماضيين"، وأوضح أن الحركة الصهيونية هي حركة استيطانية وجوهر مشروعها هو التخلص من السكان الأصليين الفلسطينيين من كافة الأراضي. وأشار إلى الاعتقاد الذي مفاده أنه يمكن إرساء السلام بعيدًا عن جوهر هذه الأيديولوجية "ولكن تبين أنه لا يمكن تحقيق السلام دون التعامل مع تأثير هذه الأيديولوجية". وأكد بابي أن الشعب الفلسطيني سوف يواصل الدفاع عن قضيته خاصة الشباب وسوف يتواصل النضال لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.