ضمن فعاليات منتدى الجزيرة التاسع الذي انطلق صباح اليوم في العاصمة القطرية الدوحة نظَّم موقع الجزيرة نت ندوة بعنوان: "الآفاق الجديدة للصحافة الإلكترونية تفاعليًّا وتعليميًّا" ناقش فيها اختصاصيون الصعوبات التي تواجهها الجاليات العربية المهاجرة في تعليم أبنائها اللغة العربية، بالإضافة إلى أهمية التعليم الرقمي، وتجربة موقع الجزيرة نت في هذا المجال.

وفي هذا السياق، قالت مديرة البرامج بمعهد المستقبل بباريس، الدكتورة سوسن الصدفي: إن استراتيجية تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها يجب أن تتبنَّى وترسم معالم حياة أجيال المستقبل وأوضاعهم في علاقة تفاعلية.

وأكَّدت أن هذه الرؤية الاستراتيجية تحتِّم على المهتمين بهذا الشأن تقييم تلك الأوضاع والبرامج والمناهج، مشيرة إلى أن اللغة العربية ليست اللغة الأولى للأجيال التي وُلِدت ونشأت في دول الغرب وإن كانت لغتهم الأم.

ولفتت إلى أن اللغة العربية ورغم تزايد الطلب عليها من قِبل الجاليات المهاجرة، إلا أن صعوبات جمَّة تحُول دون نشرها على نطاق واسع في المهجر نتيجة لقلَّة الوقت المخصص لتعلمها في المدارس مما يتسبب في ضعف مستويات أبناء العائلات المهاجرة.

وحذَّرت الصدفي من أن اللغة العربية لم تعد تمثِّل خيارًا مهنيًّا للمتعلمين لها في المستقبل رغم دخولها في البلدان الغربية بشكل لا بأس به، لكن علينا أن نعترف أن الوقت المخصص لها لا يُبقيها لغة حية لدى الجاليات العربية.

معوقات
ومن جملة المعوقات التي تواجهها اللغة العربية في بلاد المهجر – كما قالت سوسن الصدفي- أن الأجيال الجديدة لا ترى أنها عربية، بل ترى أنها غربية المنشأ والثقافة تفاعليًّا واجتماعيًّا، وهذا ما يتسبَّب لهم من حين لآخر في الشعور بأزمة نفسية حادة وشعور بالغربة عن الذات.

ونبَّهت على أن مؤسسات عربية إسلامية في بلاد المهجر بذلت جهودًا جبَّارة لجسر الهوة بين الأجيال الجديدة وهويتها العربية الإسلامية ونجحت في ذلك عن طريق إعداد طلابها ليكونوا جسر تواصل فعَّال بين بيئتهم الغربية وآبائهم وقيمهم الإسلامية.

ففي معهدنا -تضيف الصدفي- رسَّخنا في أذهان طلبتنا أخيرًا أنهم مسلمون أولًا، وأوربيون ثانيًا مما جعلهم يعيشون حياة طبيعية بفضل صياغة الدروس والمناهج بطريقة تهدف إلى إعادة استنبات اللغة العربية في واقعها الغربي الجديد.

التعليم الرقمي
من جهته تناول مدير البرامج بشركة آفاق، محمد بن مسعود، أهمية التعليم الرقمي وضرورة استبداله بالتعليم التقليدي، داعيًا في هذا المجال إلى تطوير العملية التعليمية لتتلاءم مع التقنية الحديثة لتحسين قدرة المتعلم على التلقي والفهم والممارسة.

وكشف عن أن العالم العربي يواجه تحديات في الانتقال من التعليم التقليدي إلى التعليم الرقمي، مبرِزًا أهم تلك التحديات التي من ضمنها: الانجرار وراء الاستثمار في عتاد هالك لا تحتاجه المؤسسات التربوية، مؤكدًا أن التعليم الرقمي يقلِّل التكاليف وليس العكس.

كما أن الحاجة إلى تطوير مستمر للمحتوى لإنجاح الانتقال السلس إلى التعليم الرقمي يعد أولوية في هذا المجال، ولن يتم ذلك إلا عبر إسناد مهمة التعليم إلى اختصاصيين وهيئات تدريس قادرة على استخدام التقنيات الحديثة والاندماج معها، إضافة إلى تحديد مقاييس واضحة للنجاح والفشل.

وختم مداخلته قائلًا: أثبتت الأبحاث والدراسات الحديثة أن التعليم الرقمي تفوَّق على التعليم التقليدي في السنوات الأخيرة وسيستمر هذا التفوق الذي يجب أن نستفيد منه لخلق أجيال جديدة قادرة على قيادة التنمية في بلدانها بالطرق الحديثة المتبعة عالميًّا.

تجربة رائدة
بدوره تناول المشرف اللغوي على موقع الجزيرة لتعلم العربية عن بُعد، الدكتور مختار أحمد، تجربة موقعه في هذا المجال، مبرزًا أهم النتائج الإيجابية التي توصَّل إليها الموقع منذ انطلاقه، لافتًا إلى أهداف شبكة الجزيرة من هذا الموقع المتخصص، وقال: إن الموقع يأتي في سياق ريادة شبكة الجزيرة وسعيها لتطويع التقنية الحديثة لنشر وخدمة الحضارة العربية الإسلامية وإيصالها إلى كل مكان، مشيرًا إلى أن موقع تعلُّم العربية يقدِّم تمرينًا يوميًّا للمبتدئين، ودرسًا أسبوعيًّا لأصحاب المستوى المتوسط، ويستخدم لهذا الغرض مواد إعلامية واقعية تتناول هموم ومشاكل الناس اليومية، سياسية كانت أو اقتصادية أو صحية، وذلك ما يجعل المتلقي يحقق أكبر قدر من الاستفادة نظرًا للُّغة المفهومة التي تُقدَّم إليه بها المادة.

واستعرض أهم التقنيات المستخدمة في هذا المجال، مثل: القراءة، والكتابة، والاستماع، والتحدث، وهذه المميزات تتم من خلال تفاعل وتنوع في الخدمات التي تتيح إنجاح هذه المهمة؛ حيث يقدِّم الفريق العامل خدمات متنوعة، كالقاموس وتشكيل الكلمات، وتحليلها صرفيًّا، وترجمتها، وإعادة نطقها بشكل سليم.

وخلص إلى أن الجزيرة وإن كانت منبر من لا منبر له، فإنها بفضل هذا الموقع أصبحت تعليم من لا تعليم له، لمجانية خدمة تعليم اللغة العربية، مراعاة لظروف العديد من الطلبة الراغبين في تعلُّم العربية الذين لا يمتلكون الوسائل المادية للالتحاق بالمعاهد والجامعات المتخصصة.

أما الجزء الثاني من جلسة الجزيرة نت فقد خُصِّص لنقاش "العربية ومشكلات الآلة"؛ حيث أكَّد الخبراء أن مشكلة اللغة العربية وعدم قدرتها على مسايرة ركب التقنيات تنبع من ضعف المحتوى؛ إذ لا يزيد المحتوى العلمي باللغة العربية على الإنترنت عن 3%، أكثر من 80% منه غير ذي قيمة.

وعزا المتحدث أسباب ذلك إلى تحديات استخدام الإنترنت في العالم العربي، والتي من أهمها ضعف المحتوى وحجب المعلومات؛ مما دفع بشريحة واسعة من مستخدمي الإنترنت إلى البحث بلغات أخرى؛ حيث يرى 41% أن الشُّحَّ في المحتوى هو المانع من بحثهم بلغتهم الأم.