اختتم منتدى الجزيرة الحادي عشر، الذي يناقش "أزمة الدولة ومستقبل النظام الإقليمي في الشرق الأوسط" بالعاصمة القطرية، الدوحة، في 15-16 أبريل/نيسان 2017، جلساته الحوارية بمقاربة سؤال يتناول مستقبل النظام الإقليمي للمنطقة العربية: "أي مستقبل ينتظر منطقة الشرق الأوسط؟"، وتتفرع عن هذا السؤال المركزي مجموعة من القضايا ترتبط بمصير التسويات السياسية المطروحة لملفات سوريا وليبيا واليمن، وطبيعة الترتيبات الإقليمية والدولية في المشرق والعراق وتحديدًا ما بعد تنظيم الدولة، ودور وقدرة التكتلات العربية الجهوية والقومية في لعب دور فاعل على الصعيد الإقليمي، وصعود اليمين الأميركي والأوروبي وأثره على العلاقات مع الشرق الأوسط، واتجاه المنطقة في ظل الصراعات الإقليمية الراهنة وتدخل القوى الخارجية. وقد شارك في الحوار مجموعة من الباحثين والخبراء، منهم: الدكتور حسن نافعة، رئيس قسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة سابقًا، وعدنان هياجنة، أستاذ العلاقات الدولية في قسم الشؤون الدولية بجامعة قطر، وطارق يوسف، مدير مركز بروكنجز، وبشير نافع، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط وباحث أول في مركز الجزيرة للدراسات.  

 

نافعة: المشاريع الإقليمية والدولية بالمنطقة تتمدد في الفراغ العربي 

استهل الدكتور حسن نافعة، رئيس قسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، مداخلته بالحديث عن إشكالية مصطلح منطقة الشرق الأوسط الذي يتضمن من وجهة نظره ثلاثة مكوِّنات لابد من التمييز بينها وتحديد تفاعلاتها: فهناك المكوِّن العربي، والمكون الإقليمي (تركيا وإيران وإسرائيل)، ثم المكون الدولي الحاضر بأساطيله ومصالحه في منطقة الشرق الأوسط. وفي الوقت الذي يُفترض أن يكون المكون العربي هو الأكثر صلابة وتأثيرًا في صنع مستقبل المنطقة، باعتباره الأكثر ثقلًا من الناحية الجغرافية والسكانية، إلا أن الكتلة العربية تمثِّل الحلقة الأضعف مقارنة بمثيلاتها الإقليمية والدولية وبالذات أمام المحور الروسي والأميركي.

وأضاف المتحدث: إن عددًا كبيرًا من دول هذه الكتلة الأضعف تواجه مشكلات حادَّة داخلية وخارجية، وعزا مظاهر الضعف لبُعدين أساسين: يتمثل البُعد الأول في الأنظمة المستبدة والبعد الثاني في غياب إشراك الشعوب في القرار إلى جانب أزمة هوية ومحاولات إضعاف الدولة الوطنية إما بأطروحات إسلامية أو قومية. وتُعَدُّ هذه الأزمة البنيوية، برأي الدكتور نافعة، شديدة العمق تستغرق وقتًا طويلًا للتغلب عليها وأن العالم العربي سيبقى الطرف الأضعف ما لم تحدث حلحلة في النظامين الإقليمي والدولي. واعتبر أن الأطراف الإقليمية الأخرى، مثل: تركيا وإيران، تمتلك مشروعًا يتمدد في الفراغ العربي، أما المشروع الصهيوني فهو المشروع الحقيقي للهيمنة ولا يمكن التعامل معه إلا بطريقة واحدة وهي كسره. 

 

هياجنة: خيارات القوة بالمنطقة لا تخدم الدول العربية

​اعتبر الدكتور عدنان هياجنة، أستاذ العلاقات الدولية في قسم الشؤون الدولية بجامعة قطر، أن المنطقة لن تشهد تغييرات كبيرة على مستوى علاقة أميركا بالشرق الأوسط في ظل انتخاب الرئيس دونالد ترامب، وستبقى أميركا تحمي الأنظمة الموجودة مقابل خدمة ورعاية المصالح الأميركية ولا توجد خيارات من حيث توزيع القوة، أما من حيث خيارات المنطقة من وجهة نظر إقليمية فإن توزيع القوة لا يخدم المكوِّن العربي؛ فالدور الإيراني متقدم على الدور العربي في كثير من القضايا. 

وأضاف الباحث: إن الأنظمة العربية قوية جدًّا أمام الفرد العربي غير القادر على التصرف، معتبرًا أن الملاذ الوحيد للدول العربية هو إيجاد تسوية سلمية في سوريا وتراجع الدور الإيراني ودور أكثر فاعلية لأميركا.

 

يوسف: النخب السياسية والفكرية مطالبة بدور فاعل لتجاوز الوضع العربي 

​ركَّز طارق يوسف، مدير مركز بروكنجز في الدوحة، على قضية التفكك في النظام الإقليمي والدولة الوطنية، موضحًا أنه من المبكر التنبؤ بنطاق وحجم التغيير في الأوضاع العربية الداخلية والخارجية في المستقبل، وأضاف: إن حالة التفكك في المنظومة الإقليمية ستستمر، وأن الجانب الاقتصادي المتفكك لا يقل خطورة عن التفكك الإقليمي.

واعتبر الباحث أن أي ترتيبات في المنطقة لابد وأن ترتبط بالتغييرات التي ستطرأ على النظام الدولي, وأن ما هو مطلوب من مشروع الدولة يتجاوز معيار البقاء الذي لا يلبي طموحات الشعوب، كما أن النخب السياسية والفكرية مطالبة بدور أكبر وأكثر فاعلية إزاء الوضع القائم؛ لأن أحد أسباب الربيع العربي هو إخفاق هذه النخب وإفلاسها.

 

نافع: التحول الديمقراطي أمر حتمي بالمنطقة العربية 

تناول بشير نافع، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط وباحث أول في مركز الجزيرة للدراسات، في مداخلته، تاريخ نشأة الدولة وما اعتراه من مقاومات وثورات بدأت من أوروبا وانتهت في منطقة الشرق الأوسط، موضحًا "أننا لم نصل بعد في هذه المنطقة إلى النهاية في عملية التحول الديمقراطي، والمسألة قد تأخذ سنوات ولكن التغيير أمر حتمي"، وأضاف: إن هناك من يضع شروطًا لهذا التحول تقوم على وجود طبقة متوسطة واستقلالية القضاء. لكن الهند استطاعت أن تحقق تحولًا ديمقراطيًّا دون توفر هذه الشروط، رغم أهميتها. وبالرجوع إلى العالم العربي، يرى الباحث، أن التحول يحدث بتوفر الشروط سابقة الذكر مع ضرورة النضال من أجل التحول الديمقراطي مسنودًا أو مدعومًا باستقلالية القضاء وقدرة المجتمع المدني على الوقوف في مواجهة تسلط الدولة.