في الجلسة الثالثة من أعمال منتدى الجزيرة الحادي عشر، الذي يناقش "أزمة الدولة ومستقبل النظام الإقليمي في الشرق الأوسط" بالعاصمة القطرية، الدوحة، 15-16 أبريل/نيسان 2017، بحث المشاركون سؤالًا محوريًّا يتعلق بـ"العرب والقوى الإقليمية الصاعدة: هل الصراع حتمي؟".
وتحدث المفكر والكاتب الصحفي، فهمي هويدي، المتخصص في شؤون العالم العربي والإسلامي، عن حالة التشرذم والتفكك التي فقدت على إثرها الدولة العربية البوصلة ولم تعد قادرة على تحديد أعدائها أو أصدقائها. وأضاف: إن الأقباط والمسلمين كانوا يعيشون بسلام، وكذلك الطوائف في لبنان وسوريا "لكن اليوم تحولنا بسب هذا التشرذم والانقسام من حالة التطلع لأشواق الأمة إلى حالة تفسخ الأوطان، بل إن مفهوم الدولة تراجع؛ لذلك فالحديث عن حتمية المواجهة مع القوى الإقليمية لم يعد مطروحًا أمام الدول العربية؛ لأن إسرائيل لم تعد هي العدو". وأشار هويدي إلى وجود إشكال كبير في مفهوم الدولة في الوطن العربي؛ إذ لم تعد الأمة العربية موجودة بذلك المفهوم فلا شيء يجمعها اليوم. وبسبب الفراغ الذي حدث للدول العربية أصبحت هناك فرصة للقوى العالمية والإقليمية كي تتمدد في المنطقة، "ونحن اليوم نلوم الآخرين ونتهمهم بالتآمر علينا".
وأوضح خالد الدخيل، أستاذ الاجتماع السياسي بجامعة الملك سعود سابقًا، أن المنطقة العربية تعاني من تدخل قوى إقليمية ممثَّلة في إيران التي تستغل وضعية الضعف والتشرذم التى تعيشها الدول العربية لتحقيق أهدافها التوسعية في المنطقة، وقال: إن إيران تحاول تصدير مشاكلها الداخلية والتغطية عليها من خلال تدخلاتها وتأجيج الصراع الطائفي في بعض الدول العربية. وأضاف الدخيل: إن إيران تحاول جاهدة زعزعة أمن الدول العربية وإثارة البلبلة وخلق مشاكل داخل نسيجها ليتسنى لها تحقيق أهدافها التوسعية.
من جانبها، أوضحت لويزة آيت حمادوش، أستاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة الجزائر، أن هناك متغيرين أساسيين للتعرف على الدول الصاعدة، أولهما: الوضع الاقتصادي الذي يشمل تحقيق الأهداف الاقتصادية من خلال محاربة الفقر والبطالة وتحسين مؤشرات النمو وغيرها، بينما يتعلق المتغير الثاني بثقل الدولة الاقتصادي؛ وهو عبارة عن الوزن الاقتصادي للدول وتأثيره على السوق العالمية. وذكرت المتحدثة أن ما يمنع الدول العربية من تأسيس مشاريع عملاقة ذات بُعد استراتيجي هو توظيف البعد الأمني بطريقة غير موفقة، وغياب خطط لمجابهة نفوذ بعض القوى الإقليمية والدولية، وأشارت إلى تجارب بعض الدول التي استطاعت تحقيق مشاريع ذات بعد استراتيجي، مثل الدول الآسيوية التي تمتلك تجربة رائدة في هذا المجال؛ حيث ركزت على البعد الاقتصادي والثقافي والاجتماعي على حساب البعد الأمنى وبالتالي حققت مزيدًا من التقدم.
وفي سياق قراءته للدور التركي ضمن الأزمات التي تعصف بالمنطقة العربية، أوضح غالب دالاي، مدير البحوث في منتدى الشرق، أن تركيا استطاعت أن تحدد بطريقة منهجية ما ترغب في إنجازه وما تتوقع حصوله، لذلك كانت التغيير في تركيا يوائم بين ما هو متاح وما هو متوقع. وأضاف دالاي: إن التغيير في تركيا كان إرادة شعبية قوية تدعمها إرادة سياسية من القوى المدنية لذلك استطاعت البلاد التخفيف من آثار هذا التحول والخروج بأقل الأضرار.
أما الدرديري محمد أحمد، أستاذ القانون بجامعة الخرطوم، فأوضح أن السبب الأساسي الذي جعل الغرب يفعل بالعرب ما يشاء هو العرب أنفسهم، معتبرًا أن الإشكالية الحقيقية التى تعاني منها الدولة العربية الحديثة هو فقدانها لشرعية وجودها ويعود ذلك إلى السياقات التى اكتنفت نشأتها. ولكي تتصالح الدول العربية مع ذاتها، يضيف الدرديري، وتتخطى هذه العقبة الكأداء يجب أن تحقق مشروعيتها أولًا، وتعترف بالتكافؤ التام بين الطوائف والقوميات، "وهنا نشير إلى أن القانون الدولي يحترم الأفراد لكننا نحتاج إلى قانون يحترم الطوائف والقوميات، وهذا التكافؤ التام هو الحل لمشكلة الدولة العربية الحديثة".