في أولى جلسات منتدى الجزيرة، الذي يتناول في دورته الحادية عشرة "أزمة الدولة ومستقبل النظام الإقليمي في الشرق الأوسط"، بالعاصمة القطرية، 15-16 أبريل/نيسان 2017، ناقش المؤتمرون "السياقات التى رافقت نشأة الدولة العربية ومظاهر أزمتها الراهنة"؛ وذلك لمقاربة تأثير ظروف النشأة في الأزمات المركَّبة التى تعيشها الدولة العربية الحديثة،، والبحث في الآثار السلبية التى خلَّفتها حقبة الاستعمار والدور الذي لعبته خرائط سايكس-بيكو في هشاشة دول الاستقلال وفشلها التنموي على اختلاف النماذج التي اتبعتها.. وتطرَّق النقاش أيضًا لغياب العدالة الاجتماعية في الدولة العربية الحديثة وتنامي الصراعات العِرقية والطائفية بعد فشل سياسات الدمج الاجتماعي. كما أثارت الجلسة موضوع الانقسام العربي وفشل مشاريع الوحدة والتكامل الإقليمي والتكلفة السياسية والاقتصادية الناجمة عن هذا الفشل.
 
واستهل الدكتور يوسف الشويري، أستاذ التاريخ بمعهد الدوحة للدراسات العليا، حديثه بالمقارنة التاريخية بين الإرث القرطاجى والدولة العربية؛ مشيرًا إلى أن هناك مفارقة في نشأة الدولة العربية، وهو ما عبَّر عنه بمصطح "إرث قرطاجة"؛ حيث الصراع التاريخي بين قرطاجة وروما الذي انتهي بحرق قرطاجة وتدميرها كلما حاولت النهوض. وأضاف: إنن نشأة الدولة العربية مشابهة تمامًا لإرث قرطاجة؛ حيث كلما حاولت الدولة العربية النهوض تصطدم بعوامل داخلية وخارجية تكبح هذا النهوض وتدمره، نافيًا أن يكون تدميرر الدولة العربية الذي نشاهده اليوم بالصدفة. 

ولاحظ الشويري أن ما تواجهه الدولة العربية اليوم من تفكك هو بسبب عزلتها وانكفائها على نفسها؛ حيث أصبحت الدولة العربية عالة على نفسها ومجتمعها وكذلك المجتمع الدولي. ومن مظاهر الانطواء لدى الدولة العربية هو أن هناك حركات إصلاحية تشكَّلت في الدول العربية تجمعها الأهداف لكنَّ أيًّا من هذه الحركات لم تستفد من الأخرى رغمم وحدة الوجهة.
 
من جانبه، اعتبر الصادق المهدي، رئيس الوزراء السوداني الأسبق وزعيم حزب الأمة، أن الدولة الوطنية مأزومة وتتجلَّى مظاهر هذا التأزم في الصراع بين قوميين ينادون بالوحدةة العربية وإسلاميين ينادون بالخلافة، موضحًا أن نظام الحكم هو اجتهاد بشري وأن المقصود بالدِّين في مفهومه الحديث هو النظام، وأكد أن الحكم في الدولة العربية المعاصرة يقومم على التوريث أو الجمهورية الانقلابية وهو ما سبَّب خللًا بنيويًّا كبيرًا في الدولة العربية الحديثة وأورثها الاستبداد والضعف وغياب العدالة الاجتماعية. وفيما يتعلق بالربيع العربي نبَّه الصادق المهدي إلى أن الثورات مهما تأخرت نتائجها فإنها لا محالة ستُثمر. 

كما شدَّد المهدي على ضرورة إنهاء الفتنة الطائفية من خلال ميثاق يُؤَصِّل لوحدة القِبلة ويرفض التكفير، وختم مداخلته بالقول: "يجب أن نتحدث بوضوح وبإخلاص؛ لأن واقعنا اليوم لا يقبل أنصاف الحلول وأن يكون الحل على المستوى الفكري أولًا قبل السياسي".
 
وقال محمد جبرون، أستاذ التاريخ والباحث في مركز التربية والتكوين في المغرب: إن الدولة العربية الحديثة التى جاءت بعد الاستقلال تميزت بمجموعة من الخصائص منها أنها لمم تأت نتيجة تطور تاريخي وإنما هي دولة وُلِدت ولادة قيصرية متعسرة؛ ما أدى إلى غياب الانسجام والتناغم لذلك فهي دولة استبدادية شمولية ليس لديها القدرة على الانفتاحح الديمقراطي. ونبَّه جبرون إلى الأزمة الأخلاقية التى تعاني منها الدولة العربية وتتمثل في علاقتها السيئة بكل ما هو ديني، "وللخروج من الأزمة الراهنة، يضيف جبرون، لابد منن  الاعتراف بالشعوب وإقرار مبدأ المسؤولية والمحاسبة". 

وتحدث الدكتور محمد محسوب، وزير الشؤون القانونية والمجالس النيابية الأسبق في مصر، عن علاقة الربيع العربي بالدولة واعتبره تجديدًا لشباب الدولة بغرض إعادتها للطريق السليم خصوصًا أنها وُلدت ولادة متعسرة، وأوضح أن تفسير فشل الدولة القُطرية بنظرية المؤامرة يكشف عن فكر محدود وقاصر باعتبار أن الدولة العربية تملك القدرة علىى  الخروج من نفق المؤامرات بما لديها من قدرات وثروات للمساهمة فى حلِّ أزماتها.