انطلقت فعاليات اليوم الثاني لأشغال منتدى الجزيرة الحادي عشر، الذي يناقش في دورته الحادية عشرة "أزمة الدولة ومستقبل النظام الإقليمي في الشرق الأوسط"، بالعاصمة القطرية الدوحة، في 15-16 أبريل/نيسان 2017، بعقد جلسة حوارية نظَّمها مركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسان تتناول "حقوق الإنسان في مراحل الانتقال السياسي".
ورأى الدكتور غانم النجار، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت، أن الحديث عن العدالة الانتقالية يقتضي بالضرورة الحديث عن التغيير الذي هو سُنَّة كونية لا مناص منها، مشيرًا إلى الوضع المأساوي الذي تعيشه الدول العربية اليوم؛ حيث لا يمكن بناء دولة بدون تحقيق العدل. وأكد ضرورة تصحيح بعض المفاهيم المتعلقة بحقوق الإنسان ومنها الخطأ الشائع بين الناس وهو أن حقوق الإنسان مبادئ غربية، بينما حقوق الإنسان ليست مبادئ غربية ولا صناعة غربية بل هي ثمرة الشعوب المنتفضة والمكتوية بنار الاستبداد والظلم، ومن أوليات الدول التي نادت بميثاق حقوق الإنسان دول أميركا اللاتينية، مثل: كوبا، وتشيلي، وبنما، معتبرًا أن الاستخدام السياسي لحقوق الإنسان هو ما يشوِّه هذا المفهوم.
من جانبه، اعتبر رفيق هوديتش، مدير الاتصال بالمركز الدولي للعدالة الانتقالية في نيويورك، أن المحاسبة والمساءلة هي الحل النموذجي للتعامل مع المتورطين في جرائم حقوق الإنسان لكن هذه المحاسبة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار حجم الجرائم والظروف التي تمت فيها والدمار الذي خلَّفته، وأكد أن هناك الكثير من المفاهيم لحقوق الإنسان والعدالة وكل مفهوم ينطلق من سياقه الخاص؛ فمعالجة الأزمة الحقوقية في جنوب إفريقيا تختلف عن معالجتها في البوسنة أو المغرب. وبالنسبة للدول العربية، أشار هوديتش إلى أن "هناك من يعتقد أن فكرة حقوق الإنسان غربية لتدمير مجتمعاتنا" وهذا موقف خاطئ؛ فالعدالة يجب أن تكون لأي شخص وأي مجتمع ويجب العمل على تأصيل ذلك حتى تصبح ثقافة.
واعتبر الكاتب والمحلل السياسي، عبد الوهاب بدرخان، أن تدهور المراحل الانتقالية في الكثير من دول الربيع العربي كان بسبب غياب ثقافة الحوار. في المقابل، استطاعت تونس أن تنقذ ثورتها من خلال الحوار، مؤكدًا أن الأزمة في الوطن العربي هي أزمة "غياب ثقافة الحوار"، وقد حاولت بعض الدول التي شهدت حراك الربيع العربي تفعيل مفهوم العدالة الانتقالية وحقوق الإنسان، إلا أن المحاكمات الصورية وتردي المنظومة القانونية وضعف ثقافة حقوق الإنسان في النظام القضائي حالت دون تحقيق أي تقدم في هذا المجال. وأشار بدرخان إلى أن الفترة الطويلة للاستبداد في المنطقة العربية أفرزت رصيدًا ضخمًا من الاحتقان والغضب في المجتمع العربي، لكن لا يوجد هناك نفس الرصيد لبناء المجتمع وتطويره وتثقيفه وتوعيته، وأضاف: "مجتمعاتنا لا تعبأ بالدم ولا بالإنسان، وهذا الوضع لا يمكن أن يستمر".
وقدَّم أحمد بن شمسي، مسؤول الإعلام بقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، مقاربتين حول العدالة الانتقالية: أولاهما: المقاربة السياسية التي تعتبر أن الوطن فوق الأفراد؛ حيث تقتضي المصلحة العامة أن يفلت البعض من العقاب، وتنبني على توافق سياسي. أما المقاربة الحقوقية المبنية على المحاكمة فتعتبر أن كل جريمة تستحق العقوبة وأن كل ضرر يستحق الجبر. وأشار ابن شمسي إلى النموذج المغربي؛ حيث إن المقاربة مبنية على المصالحة، ورغم أهمية هذه المقاربة فإن ثقافة الإفلات من العقاب لا تزال سارية وتمثِّل إحدى سلبيات المقاربة؛ فقد استمر التعذيب في المغرب نتيجة إفلات الجلادين من العقاب؛ لذلك فإن انتشار ثقافة عدم المحاسبة والمساءلة يعمِّق هذا الشرخ.
وركزت مداخلة محمد جميل ولد منصور، رئيس حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية في موريتانيا، على ضرورة القيام بمراجعات للربيع العربي للاستفادة من بعض الأخطاء التي طالته، وأكد أن من تنبأوا بموجات من الربيع العربي صادقون في توقعاتهم لكن يجب أن تأخذ هذه الثورات بالاعتبار المسارات التى تُجنِّبُها الوقوع في فخ الفوضى الذي أدى إلى انهيار دول أخرى، مشيرًا إلى أهمية حقوق الإنسان في حالة الانتقال السياسي والتي اعتبرها أساسية ومهمة لرسم مستقبل آمن؛ حيث إن انتقال القوة أو السلطة من طرف منتصر إلى طرف مهزوم له تداعيات وظروف استثنائية، "وتكون حقوق الإنسان هنا ضرورية أكثر من أي وقت مضى نتيجة الخوف من الانتقام.