ناقشت الجلسة الحوارية الثانية في منتدى الجزيرة، في نسخته الحادية عشرة بعنوان "أزمة الدولة ومستقبل النظام الإقليمي في الشرق الأوسط" بالعاصمة القطرية، الدوحة، 15-16 أبريل/نيسان 2017، مستقبلَ الربيع العربي، وتساءلت: إلى أي حدٍّ لا يزال يمثِّل أفقًا للإصلاح محليًّا وإقليميًّا؟ وهل كان الربيع العربي فرصة تاريخية للعرب أم مؤامرة دولية عليهم؟ وما هي إنجازات الربيع العربي بعد ست سنوات من الثورة؟ وهل طويت صفحة الربيع وعادت المنطقة إلى معادلة ما قبل 2011؟ وهل يسير الوضع العربي باتجاه اندلاع موجة ثانية من الانتفاضات الشعبية؟ وإلى أي مدى يظل الربيع العربي أفقًا حقيقيًّا للتغيير والإصلاح على الصعيد الوطني والإقليمي؟

وشارك في مناقشة هذا الحقل الاستفهامي والإجابة عن أسئلته: أبو يعرب المرزوقي، أستاذ الفلسفة والوزير المستشار لدى رئيس الحكومة التونسية سابقًا، وصدقه بن يحيى فاضل، عضور مجلس الشورى ورئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الملك عبد العزيز سابقًا، وجون مسنر، المدير التنفيذي لصندوق السلام والمدير المشارك لمؤشر الدول الهشِّة، وعادل الشرجبي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء، والكاتب والباحث المغربي، محمد الكوخي، المتخصص في اقتصاديات التنمية.

المرزوقي: أزمة الدولة الوطنية بالمنطقة جزء من أزمة النظام العالمي 

اعتبر المرزوقي أن الربيع العربي كان أفقًا للتأويل وأن أحد إنجازاته هو إخراجه للعلن أجندةَ الصراعات التي كانت تدور رحاها في المنطقة وكذلك على المستوى الدولي خُفية وبشكل بارد، وأن الأزمة ليست على مستوى الدولة القُطرية العربية أو شرق الأوسطية فقط بل هي أزمة دولة وطنية حتى في أوروبا العتيقة، وقد اتضحت بشكل جلي بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لذلك فهي أزمة نظام عالمي برمته. 

وأشار الوزير المستشار لدى رئيس الحكومة التونسية سابقًا إلى أن الطموحات الإمبراطورية لدى كل من إسرائيل وإيران اللتين تحتميان بإمبراطوريتين دوليتين، هما: روسيا وأمريكا، تهدف لتحطيم ما بقي من الإمبراطورية المسلمة باستثناء إيران، مؤكدًا ان الحرب موجهة بالأساس إلى العرب والأتراك، وأن الربيع العربي لم يُعترف به باعتباره حركة تقدمية إلا من قِبل دولتين هما: قطر وتركيا، وأن العقدة "القرطاجيَّة" هي عند الغرب وأن ما فعلته روما بقرطاجة أصبح مستحيلًا؛ فالتاريخ بعد وفاة هيغل بيَّن أن العالم الإٍسلامي ازداد اتساقًا ونفوذًا، وأن المعركة ليست بين الإٍسلام والمسيحية وإنما هي أزمة الدولة الوطنية التي قضت عليها العولمة.

صدقه: الانتفاضات الشعبية ستتكرر إذا لم تتغير الأوضاع

أما أستاذ العلوم السياسية، صدقه بن يحيى فاضل، عضو مجلس الشورى السعودي، فيرى أن الربيع العربي كان انتفاضة شعبية ضد الوضع الداخلي السيء وأن نجاح هذه المحاولة تمثَّل في كونها سابقة يمكن أن تتكرر طالما بقيت الأوضاع على حالها في المنطقة العربية، موضحًا أن الذين قاموا بالحراك الشعبي كانوا يحاربون هذه العقبات الداخلية والخارجية، وخاصة تلك المعادية للعروبة والإٍسلام. أما عامل المؤامرة في قيام الربيع العربي فيراه الباحث  قائمًا؛ فالصهيونية لم تترك الدول العربية تدير أمورها بنفسها كما أن الوضع العربي مشجع على هذه الهيمنة الأجنبية.

ويحدد الباحث هذه المعوقات والمسببات التي أدت إلى الانتفاضات في ثلاثة معوقات رئيسية: تمثل الأول في العامل الداخلي وهو الاستبداد السياسي، وتجسد العامل الثاني في الطائفية المنفلتة من عقالها، أما العامل الثالث فيتمثل في المذهبية أو الإٍسلاموية (وهي كل ما ينحرف عن الإٍسلام الصحيح). 

مسنر: دول الربيع العربي يجمعها عامل الهشاشة

يرى جون مسنر، المدير التنفيذي لصندوق السلام والمدير المشارك لمؤشر الدول الهشة، أن مؤشر الدول الهشة يشير إلى إمكانية حدوث ربيع عربي آخر وأن ما حدث ما هو إلا البداية. وتحدث عن منهجية عمل مؤشر الدول الهشة الذي بدأ العمل به منذ 15 سنة مضت، معتبرًا إياه مؤشرًا فاعلًا رغم أنه لم يستطع التنبؤ بالربيع العربي. وقدَّم مسنر بعض التحليلات الخاصة بالدول العربية؛ حيث أوضح أن البحرين، على سبيل المثال، كان أداؤها على مؤشر الدول الهشة متوسطًا إلى غاية عام 2011، وبعد الربيع العربي ساءت الأمور، وفي مصر فقد ساءت الأحوال بشكل ملحوظ منذ 2009 إلى غاية 2011 ولكنها عرفت استقرارًا "وحشيًّا" مع مجيء السيسي وفشلت في مؤشر الحقوق والعدالة وحفظ القانون؛ فالمظالم،  بحسب المؤشر، كانت 9 من 10؛ فكلما تقدَّم المؤشر بين 1 و10 يكون الوضع سيئًا وهي آلية عمل المؤشر. 

أما سوريا، فقد احتلت المرتبة الثانية، وكان الوضع بحسب مؤشر الهشاشة سيئًا قبل عام 2011. وبالنسبة لتونس فمؤشر الهشاشة يبيِّن أن الأوضاع فيها بدأت تسوء قبل 2011، وهو ما يعني أن هناك أرضًا خصبة للتوتر والعصيان المدني، ولكن منذ 2014 بدأت الأوضاع تتحسن في تونس، واحتل اليمن المرتبة 13 في حين أن الوضع في الأردن بدأ يسوء سنة بعد أخرى نتيجة المظالم الاجتماعية المتزايدة وتدفق اللاجئين. وأشار المدير التنفيذي لصندوق السلام والمدير المشارك لمؤشر الدول الهشة إلى أن العامل المشترك بين دول الربيع العربي هو عامل الهشاشة وعدم الحصانة وأن الظروف كانت مهيأة لحدوث ربيع عربي حتى الدول التي كانت تبدو مستقرة لم تكن كذلك. 

الشرجبي: الربيع العربي يمثِّل أفقًا للإصلاح بعد تفكيك الأنظمة القائمة 

أوضح عادل الشرجبي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء، أن ما أنجزه الربيع العربي هو تفكيك الأنظمة التي كانت قائمة؛ حيث ظهرت تعدديات رغم أنها طائفية ولكنها ستصلح نفسها لاحقًا، كما ألغى الربيع مشروع التوريث وهو -أي الربيع العربي- لا يزال يمثِّل أفقًا للإصلاح. ورأى الباحث أن الربيع العربي أو أية ثورة عمومًا لابد أن تمر بثلاث مراحل، وهي: إسقاط النظام تليها مرحلة انتقالية فإنجاز الديمقراطية. ولكن الدول التي عرفت ربيعًا لم تستطع كلها إنجاز هذه المراحل الثلاث؛ فاليمن، على سبيل المثال، عجز عن إنجاز المرحلة الأولى وهي إسقاط النظام وبقي نظام علي عبد الله صالح مما أدخل البلاد في حرب واسعة.

الكوخي: هشاشة الدولة فجَّرت الوضع الداخلي

قال الباحث المغربي، محمد الكوخي، المتخصص في اقتصاديات التنمية: إن الأنظمة السياسية لم تستطع استيعاب التغييرات التي حدثت على المستوى الإعلامي والاجتماعي والاقتصادي؛ مما أدى إلى انفجار الوضع الداخلي. وقدَّم الباحث تحليلًا بنيويًّا  تضمن عدَّة مستويات اعتبرها عوامل مهمة في اندلاع الربيع العربي: المستوى الأول تمثل في العامل الديمغرافي؛ حيث نسبة الشباب الذين يمثِّلون غالبية سكان الشعوب العربية، والمستوى الثاني، وهو البنيات الاجتماعية التي ظهر فيها التعليم والتمدن والبطالة كمحددات رئيسية لعملية التغير والتطور داخل المجتمعات العربية ولاسيما بين صفوف الشباب. أما المستوى الثالث فتمثل في العامل الاقتصادي القائم على نموذج توزيع الريع الاقتصادي، ثم هناك المستوى التكنولوجي الذي يتجسد في نهاية احتكار الأنظمة للفضاء العام وظهور وسائط للتعبير انفلتت من قبضة وتحكم وسيطرة الأنظمة.

وخلص الباحث إلى أن هذه الكتلة السكانية الواسعة من الشباب والمتمدنة والمتعلمة التي امتلكت وسائط تواصل أكثر حداثة وتكنولوجية بعيدة عن سيطرة الدولة وحاجتها المتزايدة للعمل والحضور في القرار؛ حيث أبدت الدولة وأنظمتها عجزًا وهشاشة في مواكبتها وتلبية متطلباتها وحاجاتها المتزايدة، تسببت في انفجار الوضع الداخلي.