أكَّد الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، وزير خارجية قطر، في افتتاح منتدى الجزيرة العاشر، على أنَّ عدم الاستقرار في الشرق الأوسط سببُه الرئيسي استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية منذ أكثر من ستة عقود دون أن يبذل المجتمع الدولي جهودًا حقيقية لإنهائه بالرغم من انتهاك إسرائيل للقرارات والقوانين والأعراف الدولية.

إنهاء الاحتلال الإسرائيلي 

أوضح وزير الخارجية أن معظم دول الشرق الأوسط يعاني ومن عقود، ولو بدرجات متفاوتة، من عدم الاستقرار وضعف المشاركة الشعبية في القرار وغياب العدالة الاجتماعية والحريات الأساسية واحترام حقوق الإنسان وفشل نظام الأمن الجماعي الدولي. وذكر أنه من المؤسف أن المجتمع الدولي لا يكتفي بموقف المتفرج على أعمال الاستيطان والبطش والتدمير والاعتقال والحصار الذي تمارسه إسرائيل، وبدل أن يضغط ويهدِّد بفرض عقوبات عليها، كما يفعل مع دول أخرى تمارس أعمالًا أقل عدوانية منها، يلجأ إلى الضغط على الشعب الفلسطيني الضحية وتهديده إذا هو رفض هذه السياسات والممارسات الوحشية غير المشروعة التي ترتكبها إسرائيل والتي تخالف كافة الشرائع والأديان والقوانين الدولية ومواثيق حقوق الإنسان. 

وتساءل الشيخ محمد بن عبد الرحمن عن سياسة الكيل بمكيالين للمجتمع الدولي واستخدامه ميزان القوة في تعامله مع النزاع العربي-الإسرائيلي بدلًا من ميزان العدالة قائلًا: "هل من المعقول أن المجتمع الدولي ما زال مخدوعًا بقول إسرائيل إنها تريد السلام بينما هي تماطل وتراوغ وتضع العقبات والشروط التعجيزية أمام مسيرة السلام وهي تعلم أنها غير مقبولة تنفيذًا لسياسة إسرائيل الثابتة بالتسويف والمماطلة وكسب الوقت كهدف استراتيجي يسمح لها بتغيير الوضعين الجغرافي والديمغرافي في الأراضى الفلسطينية. 

ونوَّه لأن المجتمع الدولي بأسره قد تبنَّى مفهوم حلِّ الدولتين في سياق يكفل حلَّ كل قضايا الوضع النهائي، وهي: القدس واللاجئون والأمن والحدود والمياه، وفقًا للمرجعيات الدولية وطبقًا لمبادرة السلام العربية بعناصرها كافَّة كإطار مرجعي لإحلال السلام العادل والشامل في المنطقة.

وشدَّد على أن إنهاء الاحتلال وتحقيق السلام في الشرق الأوسط يقتضي من المجتمع الدولي ممارسة مختلف أشكال الضغوط على إسرائيل لحملها على الانصياع لقرارات الشرعية الدولية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة على حدود العام 1967 وعاصمتها القدس.

وقال: إن الاستقرار لن يتحقق لمنطقة الشرق الأوسط إلا من خلال تحمُّل المجتمع الدولي مسئوولياته بصورة موضوعية يسودها منطق العدل والإنصاف والشرعية الدولية في معالجة قضايا الشعوب بصورة عادلة وعاجلة وعملية عن طريق الحوار الجماعي وعدم ترك الأمور حتى تصل إلى حافة التدهور.

الأزمة السورية وتقاعس المجتمع الدولي 

وسلَّط وزير الخارجية الضوء على الأزمة السورية، قائلًا: إن المأساة التي يعاني منها الشعب السوري الشقيق ترجع إلى تقاعس المجتمع الدولي عن التعامل الحازم والجاد مع هذه الأزمة والذي يكشف عجز وفشل نظام الأمن الجماعي الدولي والمفارقة بين الالتزام الدولي الذي أقرَّت به الدول أعضاء مجلس الأمن للحفاظ على السلم والأمن الدوليين من ناحية ووضع معايير واعتبارات سياسية تخدم مصالح بعض الدول لدى تنفيذ هذه المسؤوليات من ناحية أخرى.

وتابع: ولا أَدَلَّ على ذلك من منطق العدالة الانتقائية في التعامل مع القضايا واستخدام حق الفيتو على نحوٍ يخالف أهداف ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة في حفظ السلم والأمن الدوليين؛ مما يكشف عن فشل المنظومة الأممية وعدم مصداقيتها وفعاليتها في أداء دورها الأساسي وهو الحفاظ على السلم والأمن الدوليين. وأكَّد أنه بات لزامًا على المجتمع الدولي التوصل إلى حلٍّ سياسي شامل وتغيير كامل في سوريا لإنقاذها من مخاطر التفتت مع ما يحمله ذلك من تداعيات خطيرة على الدولة والمجتمع السوري والمنطقة ككل.

جذور الإرهاب والتطرف 

وتناول وزير الخارجية قضية الإرهاب مشيرًا إلى أن العالم أجمع، ومنطقة الشرق الأوسط بخاصة، يواجه التحدي الأعظم لتحقيق الأمن والسلم الدوليين، وهو الإرهاب والتطرف، ولا شك أن العديد من الأسباب كالفقر والبطالة والجهل جعل فئة الشباب هي الأكثر عرضة للتجنيد الطَّوْعي وغير الطوعي من قبل الجماعات الإرهابية؛ لذا يتعين تمكين الشباب وتعزيز قدراتهم للاستفادة من طاقاتهم والابتعاد بهم عن البيئة الحاضنة للإرهاب والتطرف. 

وأكد أن القضاء على ظاهرة الإرهاب في أي مكان لن يأتي إلا من خلال المعالجة الناجعة للبيئة التي تحتضنه وللأسباب العميقة التي تدفع الفرد إلى الإقدام على أعمال إرهابية ويكون ذلك من خلال التسوية السياسية للنزاعات وإحقاق العدالة والأمن والاستقرار للجميع وعدم التهميش أو الإقصاء.

وقال: إن مكافحة الإرهاب والتطرف وتجفيف منابعه، يوجب علينا أن ندرك أن أحد أهم أسباب التطرف والعنف والإرهاب، حتى عابر الحدود منه، هو استمرار الاستبداد والاضطهاد والتهميش وتسليط آلة الحرب الباطشة ضد الشعوب. وتابع: لنا أن نُراجع كل المحاولات السابقة للقضاء على الإرهاب بطريق أحادية غير موضوعية، وسنكتشف أنها لم تحقِّق إلا توسعًا للإرهاب وقدرته على جذب الآلاف من الفقراء والمهمَّشين رغم أن بعض القوى الكبرى استخدمت لمواجهة تلك التنظيمات المتطرفة من الإمكانيات المادية والمالية والإعلامية ما كان يكفي لمعالجة جذوره الأساسية المتمثِّلة في اضطهاد الشعوب وتهمشيها وسلبها حقها في تقرير مصيرها.

وشدَّد الشيخ محمد بن عبد الرحمن، وزير الخارجية القطري، على أن معاقبة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية الذين يضطهدون شعوبهم أو يشاركون في اضطهاد شعوب أخرى من خلال دعم آلة القمع في تلك الدول، مثل سوريا الشقيقة، باتت أمرًا ملحًّا وضرورة إنسانية دعونا إليها في المنتدى السابق وفي العديد من المحافل الإقليمية والدولية.

وأكَّد أنه بدون ملاحقة مرتكبي الجرائم ضد شعوبهم فإننا بوعْيِنا، أو بدونه، نسهم في توسيع الرغبة في الانتقام وبالتالي يصبح التحول نحو العنف قاب قوسين أو أدنى. 

العداء للإسلام وتهديد استقرار العلاقات الدولية

وقال وزير الخارجية: إن الإسلام لا يشكِّل تحديًا ضد أُمة أو شعب أو دين أو قانون من القوانين الدولية وإنما العداء للإسلام وتجذُّر كراهية المسلمين وممارسة سياسة التمييز ضدهم هي التي تشكِّل تحديًا حقيقيًّا للعالم أجمع وتهدِّد استقرار العلاقات الدولية وخصوصًا علاقات العالم الإسلامي بالمجتمعات الأخرى.

وتابع: لست بحاجة، لنفي ربط الإسلام بالإرهاب، إلى التاكيد على أن الإسلام بمبادئه السمحة يكرِّس التعايش بين الشعوب والتسامح، ونشير في هذا الصدد إلى رسالة ثيودوسيوس، بطريق بيت المقدس سنة 869م، إلى زميله أجتاتيوس، بطريق القسطنطينية، والتي امتدح فيها المسلمين وأثنى على قلوبهم الرحيمة وتسامحهم المطلق حتى إنهم سمحوا للمسيحيين ببناء المزيد من الكنائس دون أي تدخل في شؤونهم الخاصة، وجاء في رسالة بطريق بيت المقدس بالحرف الواحد "إن المسلمين قوم عادلون ونحن لا نلقى منهم أي أذى أو تعنت".

وأشار الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إلى أن العالم العربي لم يشهد طوال تاريخه أي عملية تطهير ضد الأديان والطوائف والأعراق وبإمكاننا أن نرى اليوم عدد الطوائف والأديان التي تعيش في العالم العربي وتؤدي طقوسها وتقاليدها؛ ولذا لا يمكن أن يُربط تاريخ وحاضر العالم العربي بتلك الحركات والتنظيمات المتطرفة التي تمارس الإرهاب ضد شعوب المنطقة بمن في ذلك المسلمون أنفسهم.

حلُّ النزاعات ومعالجة التوترات

وقال وزير الخارجية: إن المجتمع الدولي بحاجة ملحَّة لبناء آفاق تعاون متعددة بين مختلف الآمم والشعوب، ومعالجة التوترات والنزاعات والقضاء على كل ما من شأنه أن يزيد في توسيع الهوة بين الأمم؛ ولذا يتعين على جميع الدول التصدي لكل التيارات الهدَّامة التي تعمل على نشر الكراهية والتطرف والعنف.

وأضاف: لا شك أن عالمنا العربي يحتاج من المجتمع الدولي ومؤسساته والقوى الكبرى دعم تحقيق السلام العادل فهذه المنطقة تستحق كل هذا الدعم؛ لأنها كانت دومًا داعمة للتعددية والتعايش وحفظت، ولا تزال، تنوعها، ويجب ألا يُسمَح للمستبدين بأن يتحكموا في مصائر شعوبها ومقدَّرات أوطانها.

وأشار إلى أنه على مدار الأعوام الماضية شهدنا اهتمامًا بالوسائل السلمية لحلِّ المنازعات لكونها الفكرة البديلة عن الإكراه والعنف الذي ينشأ بين الدول المتنازعة، وبخاصة الوساطة، ولم يأتِ ذلك من فراغ بل من إيمان المجتمع الدولي بالدور الحيوي الذي تؤديه الوساطة في تسوية المنازعات.

وأكد أنه وفقًا للقناعة الراسخة لدى دولة قطر بحلِّ النزاعات بالطرق السلمية وبناءً على المادة السابعة من الدستور الدائم لدولة قطر؛ فإن دولة قطر لم تكتفِ في نهجها هذا بالقول فقط بل أرست تقاليد في الوساطة السلمية ونجحت بجهود دبلوماسية مكثفة في احتواء العديد من حالات التوتر والخلافات الناشئة في محيط منطقتها أو خارجها من أجل تحقيق السلم والأمن.

المساعدات التنموية  

وقال وزير الخارجية: إنه انطلاقًا من الإيمان الراسخ لدولة قطر بأن تحقيق التنمية السبب الرئيسي لتحقيق الأمن والاستقرار وتوفير سبل العيش الكريم للشعوب ويجعل الشباب في مأمن من الانحراف إلى الجريمة أو التطرف؛ لذا فإن دولة قطر لم تألُ جهدًا في الوفاء بالتزاماتها الدولية بشأن تقديم المساعدات التنموية والإنسانية وذلك من خلال المساهمة بالمال والخبرة المتيسرة في مشاريع التنمية وإعادة الإعمار في المنطقة وخارجها بما في ذلك تقديم العون المادي والفني المتاح في حالات الكوراث الطبيعية.

انتفاضة الشعوب

وأكَّد أن الفساد والاستبداد وغياب حكم القانون وعدم إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية حقيقية كان السبب الرئيس في انتفاضة شعوب عدد من دول المنطقة مشدِّدًا على أن دولة قطر كانت سبَّاقة إلى دعوة المجتمع الدولي إلى إنصاف هذه الشعوب ودعمها في تحقيق مطالبها المشروعة من أجل الحرية والكرامة ومن أجل مستقبل تُحقِّق فيه طموحاتها في حياة أفضل تسودها العدالة والمساواة وقيم الحوار والتسامح وعدم الإقصاء الطائفي أو السياسي واحترام حقوق الإنسان.

دروس الأمس

وأكَّد أنه يتعين استيعاب دروس الأمس وذلك من خلال عدم فرض الهيمنة والإقصاء تحت أي شعارات عقائدية أو مصطلحات سياسية والعمل على تأسيس حوار وطني واسع وشامل يشارك فيه مختلف القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية. واختتم وزير الخارجية كلمته مؤكِّدًا أهمية القضايا والموضوعات التي ستناقَش في المنتدى وتطلُّعه إلى النتائج التي سيسفر عنها مُعربًا عن ثقته بأنها ستكون إيجابية ومثمرة.