شهدت الجلسة الأولى من اليوم الثاني لمنتدى الجزيرة الثامن الذي يعقد تحت عنوان:"أي أين تتجه حركة التغيير في  العالم العربي"  نقاشاً واقعياً عن تعقيدات الأزمة السورية بأبعادها السياسية، الدبلوماسية، الاقتصادية، الاجتماعية والحقوقية. وذلك بمشاركة كلّ من السيد/ أحمد طعمة رئيس الحكومة السورية المؤقتة والسيد/ ديفيد تولبرت رئيس المركز الدولي للعدالة الانتقالية.

حقوق الضحايا.. أولوية

في المحور الثاني من الجلسة، تحدّث السيد/ ديفيد تولبرت رئيس المركز الدولي للعدالة الانتقالية، مستعرضاً أهمية تطبيق مبادئ العدالة الانتقالية في دول الربيع العربي من أجل  معالجة ما ورثته من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وذلك من خلال إرساء قواعد هذه العدالة متمثلة بالملاحقات القضائية، ولجان  تقصي الحقائق وبرامج جبر الضرر والأشكال الأخرى من إصلاح المؤسسات، بهدف إعادة الثقة بين الشعب وبين مؤسسات الدولة، لما فيه من  أهمية بالغة في العملية السياسية وفي إرساء الحكم الرشيد. وشدد السيد/ ديفيد تولبرت في مداخلته على أهمية تطبيق مبدأ المحاسبة على مرتكبي الجرائم ضدّ الإنسانية ومنتهكي حقوق الإنسان سواء  العاملين في  الأجهزة الأمنية أم في السلطات القضائية. وعقب  تحقيق الثورات لأهدافها،  اعتبر رئيس المركز الدولي للعدالة الانتقالية أن الاعتراف بحقوق الضحايا  يعدّ أمراً مهماً للغاية عند تأسيس الدولة المدنية حيث أن تشجيع الثقة المدنية بين الحكم الانتقالي وبين الشعب هو من المبادئ العامة في تحقيق العدالة الانتقالية والتي تصبو إلى تقوية سيادة القانون والديمقراطية فيما بعد. 

النموذج التونسي

وفي هذه المسألة، أشار تولبرت إلى أن الأنظمة التي تسلمت الحكم بعد الثورة في معظم دول الربيع العربي لم تتمكن من إنصاف الضحايا، حيث أنه على الرغم من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي حدثت في كلّ من ليبيا، ومصر، واليمن، لم يستطع الضحايا أو ذويهم من معرفة الحقيقة والتعرف على مرتكبي الجرائم بحقهم أو الحصول على التعويضات  اللازمة. وفي هذا الصدد، تحدّث المحاضر عن أهمية القرار السياسي في تبني مبادئ العدالة الانتقالية في  دول الربيع العربي وتمرير القوانين المتعلقة بهذا الشأن بالإضافة إلى تقديم كل الدعم المادي اللازم لذلك، مشيراً إلى النموذج التونسي حيث أن الحكومة التونسية بعد الثورة لم تتوان عن اللجوء إلى الخبراء في هذا المجال وذلك بهدف توفير مناخ من الأمن الإجتماعي وخلق بيئة حقوقية حاضنة لضحايا الفترة الانتقالية، وذلك تجنباً  لحدوث أية انقسامات اجتماعية أو أية تحديات أمنية، أو عرقلة  تطبيق أهداف الثورة لا سيما الإنمائية منها.

وختم رئيس المركز الدولي للعدالة الانتقالية بالقول إن: "الانتهاكات لحقوق الإنسان لا تؤثّر على الضحايا وحسب، بل على المجتمع ككلّ، فمن واجب الحكومات الناشئة بعد الثورات ضمان عدم تكرار تلك الانتهاكات وذلك من خلال إصلاح المؤسّسات وتشكيل لجان التحقيق، وضمان ملاحقة المجرمين لتأمين انتقال العدالة بشكل آمن وإرساء دولة القانون والمؤسسات المنشودة.