في إطار المنتدى الثامن للجزيرة انعقدت ورشة صحافة الموبايل على مدى يومين، حيث تم في اليوم الثاني قيام ثلاث ندوات الأولى كانت بعنوان التدريب الاعلامي وتغيير المجتمعات  والثانية كانت بعنوان التمكين المجتمعي وتغيير المجتمعات والثالثة كيف تصبح مذيعا لامعا.

وهنالك إجماع شامل في جميع الورشات على أهمية الاعلام الاجتماعي من خلال التأثير في المجتمعات، فالحركات الاجتماعية خلال العقدين الماضيين عبارة عن مجتمعات صغيرة وأحيانا أكبر تجتمع وتؤثر على الإعلام لتسليط الأضواء على أشياء محدودة أو على مسألة محلية لتصبح دولية وممارسة الضغط على الحكومة.

إن قدرة الأفكار والأشخاص تجبر الاعلام على تسليط الأضواء على ما يخصهم من قضايا ومتابعة ما يهمهم من خلال اختراق الوسائط من خلال مناقشات حول العولمة.

هنالك وجهات نظر تدفع بالانتقال إلى رؤى جديدة، بل وتصل إلى تمويل الرواد في الجانب الاجتماعي وكذلك تشجيع أولئك الذين يودون أن يصلوا إلى وسائل مبتكرة للحلول الاجتماعية والحاجة إلى خلايا تحل المشاكل دون انتظار الحكومات. وقد دخل الإعلام الجديد بقوة في هذا السياق من خلال خلق مساحات اعلامية جديدة تسعى لحل الحاجات المطروحة. ولعل موسوعة ويكيبيديا خير مثال فهي من المواقع المهمة للتواصل الاجتماعي من خلال ما يطرح فيه من معلومات ومعارف.

ومن جهة ثانية فإن قيام جمعيات شبابية كجمعية الصانعين الدوليين مثلا التي هي عبارة عن شبكة دولية بين المجتمعات المحلية تجمع من يعملون لكي يحدثوا تغييرا اجتماعيا بدون أفعال أو أبطال خارقين، وفي هذا السياق تمت الاستفادة من الإعلام هنا من خلال ما بات يعرف بتأثير المراقب حيث إنه لا يمكنك مراقبة شيء دون تغيير فيه. أضف إلى ذلك أهمية علم الاجتماع في إحداث التغيير، وتغيير السلوك نحو الأفضل.

وقد بات من الضروري اعتبار كون الاعلام أداة وليس مرآة، فعندما يكون الهدف هو تحسين الوضع فهو الأداة الأقوى بما يمتلكه من قوة اختراق. كما يجب أن نقر بأن الإعلام هو وسيلة تثقيفية وتعليمية وترفيهية.

وقد أكدت الورشات على أهمية المعلومات المتحركة والرسومات الكرتونية فهناك رابط بين  الفنانين ممن ينتجون مثل هذا النوع من الإبداعات وبي خلق التغيير في سلوك الفراد أو خلق قيم اجتماعية جديدة، وذلك من خلال خلق نظام يتوافق مع رغبات الجميع وتوصيل تلك الرغبات وتحليلها وإعدادها بطريقة تعطيها ألقا وأبعادا جديدة. إن التصوير له القدرة على تسطيح النظام الهرمي كما يسمح للناس بقراءة المعلومات وفهمها وإنتاجها وجعلها متساوية حيث لا شخص يوجد على رأس الهرم فالجميع يمكن أن ينفذ المعلومات فالتصوير هو استخدام ما هو مألوف للتعبير عن هدف ما.

ومن المعلوم أنه لا تغيير إلا إذا تسلح الناس بالكفاءات والقيم التي يجب أن يتحلى بها الإعلامي من خلال القيم الثلاث الدقة واستخدام القواعد الصحيحة والمصداقية بجانب أهمية الثقافة والتعاون مع الشركاء وكيفية تعليم الآخرين.

كما يجب مواكبة التطور في الوسائل الإعلامية حيث إن سوق العمل أصبح مرتبطا بالمهارات الجديدة المبتكرة.

أكد مشاركون في منتدى الجزيرة الثامن، أن الولايات المتحدة الأميركية أصبحت الآن محرقة التحول الديمقراطي في العالم العربي.

وشدد المشاركون ـ في جلسة بعنوان «عقبات في طريق التحول الديمقراطي بالعالم العربي» ـ على أن الأمية عالية داخل المجتمعات العربية، وهو ما لا يساعد على فكرة التحول الديمقراطي من الأساسي، فالتعليم هو البنية الأساسية للتحول الديمقراطي.

في البداية قال وائل قنديل، رئيس تحرير صحيفة العربي الجديد، إنه عندما نتحدث عن التحول الديمقراطي في العالم العربي فإنه لا بد من الأخذ في الاعتبار التجربة المصرية بشكل أساسي، واستحضارها كنموذج لباقي الدول العربية التي شهدث ثورات عارمة وعنيفة.

وأضاف قنديل أن هناك معوقات عديدة تحول دون التحول الديمقراطي منها ما هو خارجي، ومنها ما هو داخلي يرتبط بطبيعة الشأن المصري الداخلي، فعلى الصعيد الخارجي هناك الولايات المتحدة التي تقف حجر عثرة في طريق الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي، حيث أصبحت واشنطن محرقة التحول الديمقراطي، باعتبار أن الإدارة الأميركية الحالية غير مهتمة بمستقبل الحكم في المنطقة، ولا يعنيها كثيرا فكرة التحول نحو الديمقراطية أو الحرية، وهذه مفارقة كبيرة، لأن الولايات المتحدة تصدر نفسها عالميا على أنها بلاد الحرية والديمقراطية، وتسعى لتطبيقها في جميع أنحاء العالم، خاصة دول العالم الثالث. ويوجد ردة عن الديمقراطية وحلم الحرية، من خلال حرق أشواق الديمقراطية والحرية في العالم، وهو الأمر المتجلي حاليا في دعم الجنرالين السيسي في مصر، وحفتر في ليبيا.

وأكد أنه فيما يخص المعوقات الداخلية فإنها كثيرة ومتنوعة ومنها في الأساس فكرة إعادة ترسيخ حكم العسكر، باعتبار أن العسكرة تعتبر خصما مباشرا للدول الديمقراطية والحريات بشكل عام، مشيراً إلى أن أحد الأسباب المهمة كذلك هو الجهل المتفشي في البلاد، وهذا يمنع الوصول لمرحلة تحول ديمقراطي حقيقي بسبب عدم فهم ما هو جار وحقائق الأشياء، علاوة على أن النخب الموجودة لم تقدم أطروحات نظيفة، وكانت سببا من أسباب تراجع فكرة التحول داخل مصر.

وأوضح قنديل أن المؤسسة العسكرية في مصر هي دولة داخل الدولة، كما أن العسكر قد قطعوا الطريق على المصريين في مسألة التحول الديمقراطي عبر افتعالهم العديد من المشكلات، منها ما هو أمني ومنها ما هو اقتصادي واجتماعي، بدعم واضح من النخب التي أبدت تأييدها لوجود العسكر في السلطة وهيمنتهم على مقدرات البلاد، وتابع «هنا أشير إلى شخص مثل البرادعي الذي شكل جسرا حقيقيا لعودة العسكر للسلطة في أعقاب انتخاب أول رئيس مدني، منوها بأن الإدعاء القائل بأن العسكر أكثر مدنية من المدنيين هو ادعاء كاذب وليس له أساس من الصحة».

وقال إن الأحزاب المصرية من أكثر الداعين لثبات الوضع وعودة حكم العسكر، فجميع الأحزاب الحالية تمارس نوعا من المعارضة أشبه بالشكل الأكروباتي والبهلواني، وهدفها الأول والأخير استعطاف من بيده السلطة، وهو ما نتج عنه أن قطاعا عريضا من الشباب قد كفر بفكرة الديمقراطية من الأساس، فشاهدنا من ينادي بعودة مبارك والترحم على أيام حكمه.

من جانبه أكد فيصل محمد صالح، أحد أبرز الإعلاميين السودانيين أن الأمية عالية داخل المجتمعات العربية، وهو ما لا يساعد على فكرة التحول الديمقراطي من الأساسي، فالتعليم هو البنية الأساسية للتحول الديمقراطي.

وقال إن فكرة القبلية والطائفية تدخل في إطار معاداة الديمقراطية، وهو ما يحدث في لبنان، فالقبلية تتعارض مع بنية الأحزاب التي تتبنى نهجا واضحا وأفكارا وسياسات وبرامج، بينما فكرة القبلية يكون الانتماء فيها الأول والأخير للعشيرة والقبيلة فقط. واستشهد بطائفتي الختمية والأنصار في السودان، وهما من أهم الطوائف التي حالت دون فكرة التحول الديمقراطي في السودان.

وأشار إلى أن الفقر أيضا من أهم العوامل التي تحول دون حدوث تحول ديمقراطي أو بناء دولة ديمقراطية حديثة، وربما ذلك أيضا يمكن ملاحظته في السودان الذي يشهد أرقاما متصاعدة من عدد الفقراء، موضحا أن أزمة التجارب في دول الربيع العربي ركزت فقط على الإطاحة بالأنظمة ولم تركز على مرحلة ما بعد سقوط الأنظمة القمعية، أو خلق نظام بديل يحول دون سقوط الدولة أو دخولها في أعمال عنف واضطرابات أمنية. كما أن غياب مجموعات المصالح داخل البلدان العربية شكلت زيادة في العوائق التي وجدت أمام التحول الديمقراطي، حيث لا بد من وجود مصالح مباشرة للجماهير، وهو ما يساهم في فكرة التحول بصورة سلسة.

وأضاف أن الأحزاب قد استعجلت في قطف ثمار الثورة في الوطن العربي، وهو ما حدث جليا في مصر، حين تعجلت القوى السياسية بأنواعها في قطف الثمار المباشرة والعمل وفق مصالحها الخاصة، موضحا أن الانقلاب على الرئيس المنتخب محمد مرسي بدأ بعد توليه الحكم مباشرة، حين انقلب مكتب الإرشاد على مبادئ الثورة وأقصى الجميع.

وأكد أنه من المستحيل أن يقوم أي حزب بمفرده بقيادة عملية تحول ديمقراطي في أي من البلدان العربية التي حدثت بها الثورات، ملمحا إلى أن عدم دراسة تجارب الدول الأخرى من أول الأسباب الداعية لفشل التجربة وهو ما حدث في مصر، حيث اعتمدت النخبة المصرية على دراسة تجارب في التحول الديمقراطي من الغرب، وهذه طبيعة مختلفة عن طبيعة الشعوب العربية، في حين أنهم أغفلوا دراسة فشل التجربة السودانية، وكان من الممكن أن يستفيدوا من فشل تجربة السودان التي بدأت منذ العام 1954.

وقالت إيلينا سابونينا، مديرة مركز الشرق الأوسط وآسيا ومقره روسيا إن الديمقراطية تحتوي على 3 عناصر أساسية، وهي الاستقرار والعدالة والتقدم، منوهة بأن الدول العربية التي شهدت الربيع العربي تفتقر إلى هذه العناصر، وهو ما ترتب عليه حدوث اضطرابات وفوضى وعدم استقرار.

وبينت أن البطالة والفساد والفروق الطبقية من أهم أسباب تأزم المشهد السياسي في بلدان الربيع العربي، فالثورات تأتي كنتيجة لتطلعات الشعوب نحو حياة أفضل ولكنها لا تعني بالضرورة الحصول على ذلك الأمر سريعا، مشيرة إلى أن الإصلاح السياسي التدريجي هو الحل الوحيد والخيار الأفضل حتى الآن. وقالت إن كل بلد له خصوصية ولا يمكن تصدير الديمقراطية إليه من الخارج، كذلك لا يمكن تخيلها بإجراء إصلاحات شكلية كما كان يفعل نظام مبارك. وأوضحت أن التعامل مع كل بلد يأتي انطلاقا من وضعه الخاص، مؤكدة على فكرة التوافق بين كافة مكونات المجتمع، وهذا الطريق الوحيد للتحول الديمقراطي.

من ناحيته قال طارق متري مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، إن تجارب مصر وتونس وليبيا وسوريا تختلف عن بعضها في الجوهر رغم وجود تشابه فيما بينها من الناحية الظاهرية، فالثورات أوضحت أن المؤثرات الداخلية في البلدان العربية هي الأكثر حسما من المؤثرات الخارجية، مشددا على أن الثورات العربية قد انتزعت الحرية تماما ولا سبيل لعودة القمع من جديد.

وبين أن المشاركة الديمقراطية في بناء الدولة ما زالت تحيطها مخاطر تنذر بانتكاسة في عملية التغيير ذاتها، رافضا فكرة الإقصاء التي انتهجتها غالبية الثورات في مصر وتونس وليبيا، حيث تحول العزل السياسي إلى فكرة بغيضة أدت إلى تراجع التحول الديمقراطي في العموم. وأشار إلى أنه لا يوجد تمييز بين الدولة والسلطة في فهم من يصل لكرسي الحكم، فالذي يصل للسلطة يعتبر أن الدولة قد أصبحت غنيمة له وعليه إقصاء الآخرين، وهو أمر من أكثر الأشياء التي سببت تراجعا في فترات التحول الديمقراطي في الدول العربية.

بينما أوضح جمال بنعمر، مساعد أمين عام الأمم المتحدة ومستشاره الخاص لليمن، أنه لا يمكن التكهن بمصير هذه الموجة الثورية الجارية الآن في العالم العربي، والتي ترفع شعارات الديمقراطية والحرية والكرامة، ولكن الأكيد أن ما قبل الثورات ليس كما بعدها، فلم يكن أحد يتخيل أن الثورات العربية ستغير الوضع القائم بصورة شاملة كما جرى، فالأنظمة القمعية والديكتاتورية كانت في أعلى درجاتها من القسوة والبطش والتوغل في البلاد.