خلال الجلسة الأولى من اليوم الثاني لمنتدى الجزيرة الثامن الذي يعقد تحت عنوان "إلى أين تتجه حركة التغيير في  العالم العربي؟" ألقى أحمد طعمة رئيس الحكومة السورية المؤقتة كلمة تناول فيها مسارات الأزمة السورية والتحديات التي تواجه الثورة، خاصة قضية اللاجئين، وطبيعة النظام السياسي المرتقب، وتلا ذلك نقاش معمق تناول تعقيدات الأزمة السورية بأبعادها السياسية، الدبلوماسية، الاقتصادية، الاجتماعية والحقوقية.

خطر جيواستراتيجي وتهجير ممنهج

أثنى أحمد طعمة في بداية كلمته على دور شبكة الجزيرة في توعية الشعوب العربية، وتأثيرها في إطلاق الشرارة الأولى نحو تحرير هذه الشعوب، مؤكداً على أهمية انعقاد هذا المنتدى  للنقاش سعياً للتوصل إلى حلّ للأزمة السورية لا سيما في ظلّ الإخفاق الدولي في إيجاد تسوية سياسية، معتبراً أن المجتمع الدولي ما زال في مرحلة إدارة الأزمة السورية.

وأشار طعمة إلى إصرار النظام السوري على  فرض الحلّ العسكري، وجرّ المعارضة إلى ساحة العنف بدلاً من اللجوء إلى  ساحة السلمية التي تجيد المعارضة التعامل فيها، حيث يستمر النظام في اعتقال القيادات السلمية، وإطلاق سراح المتشددين، وذلك ضمن خطة لسحق المعارضة والشعب، لافتاً إلى هشاشة الدولة السورية اليوم التي تحولت إلى سلطة مركزية بقيادة أسدية قوامها التعصب الديني، ما حوّل الثورة السورية إلى صراع من شبكة معقدة ذات قضايا إقليمية ودولية.

وسلط طعمة الضوء على  الدعم الإيراني والروسي للنظام الأسدي في ظلّ هاجس التمسك بالسلطة  وما نجم عن ذلك من تمدد إيراني ليس في سوريا فحسب وإنما في الدول المحيطة بسوريا، وذلك لتحقيق أهداف المشروع الإيراني المتمثل في تمدد نفوذه إلى البحر الأبيض المتوسط. وقال طعمة "إن تحويل الصراع إلى تمدد جيو استراتيجي للقوى الداعمة للنظام تكمن خطورته الكبرى في تأسيس النظام لسوريا جديدة  لتعزيز التواصل مع حلفائه عبر الحدود من خلال العبث بجغرافية سوريا والحفاظ على مركز القرار في دمشق مع ما يتبعه ذلك من  الحفاظ على مصلحة  إسرائيل في حماية الحدود والاحتفاظ بالجولان، ويخدم هذا التبديل الجغرافي والجيو- سياسي مصالح روسيا للحفاظ على مراكزها بطرطوس في الساحل السوري، إن هذا يشكل خطرا على الدولة والإقليم كله وهو  يصب في مصلحة تحقيق المشروع الإمبراطوري الإيراني، هذا التغيير الديمغرافي والجغرافي هو عمل ممنهج  من أجل تنفيذ مشروع بقائه وهو يعمل على تحقيقها من خلال سياسية التهجير الممنهجة للسكان، معتبراً أن هذه  السياسة من شأنها تأجيج الصراع السوري وتفكيك البلاد وإرساء مشروع الفدرالية. وعن أهمية هذا التغيير الجيو-سياسي أشار طعمة إلى موقع سوريا الاستراتيجي في مشروع الغاز الشرق الأوسطي العالمي. وبالانتقال إلى المرحلة الآنية من الأزمة السورية،  تناول رئيس الحكومة المؤقتة السورية  الاستحقاق الانتخابي الرئاسي في البلاد،  واصفاً إياه بـ"الفعل الوقح"؛ حيث إن النظام لم يأبه بثورة الشعب وإنما أيضاً بالاستنكار الدولي لما اعتبره "مسرحية هزلية".

اللاجئون السوريون.. تحديّ عالمي

كان لقضية اللاجئين والنازحين السوريين أهمية كبرى في كلمة طعمة، حيث اعتبر أن هذه القضية تمتد بتأثيراتها على الدول المحيطة بسوريا بسبب  التشابه بين التركيبة الاجتماعية السورية والتركيبات الاجتماعية المجاورة لا سيما في لبنان والأردن، ما قد يقوّض الاستقرار والأمن العام في هذه الدول. أما على صعيد المفاعيل الاقتصادية لقضية اللاجئين، فرأى طعمة أن الاحتياجات المعيشية والطبية والتعليمية ستنعكس سلباً على الدول المستضيفة، الأمر الذي يجعل من تزايد أعداد اللاجئين يشكل ضغطاً متزايداً على الإمكانات المالية والاقتصادية لدول الجوار، مشيراً إلى وصف مفوضية اللاجئين للأمم المتحدة  أزمة اللاجئين السوريين بأنها "أكبر كارثة إنسانية في الأزمنة الحديثة"؛ إذ تشير الأرقام إلى أن 4 ملايين سوري نزحوا عن منازلهم، حيث تمكن 52% من العبور إلى دول الجوار (العراق، ولبنان، والأردن) فيما بلغ عدد النازحين الداخليين إلى 4 مليون نازح، وهُجّر نحو 30 ألفاً معظمهم من النساء وذوي الاحتياجات الخاصة وضحايا التعذيب وكبار السن، مذكراً بنداءات مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إلى ضرورة  تقديم المساعدة الدولية العاجلة لهؤلاء اللاجئين. وفي مساعي من الحكومة السورية المؤقتة لاحتواء مفاعيل هذه القضية الإنسانية والتي راح ضحيتها أيضاً اللاجئون الفلسطينيون، قال طعمة إن الحكومة السورية المؤقتة قامت بتأسيس هيئة تُعنى بشؤون اللاجئين الفلسطينيين في سوريا من منطلق إيمانها بأن هؤلاء هم جزء من الشعب السوري، وخلص إلى أن معالجة المجتمع الدولي لقضية اللاجئين السوريين ما زالت دون المستوى المطلوب سواء فيما يتعلق بالدعم الدولي للدول المضيفة أو دعم اللاجئين أنفسهم أو من حيث توفير الأمن والحماية للاجئين لدواع إنسانية، مطالباً المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته تجاه "هذه الكارثة الإنسانية العالمية"، وتجاه أيضاً نحو 7 ملايين سوري يعيشون في ظروف بالغ السوء في الداخل السوري. وأكد طعمة على أن تقصير المجتمع الدولي في معالجة  قضية اللاجئين هو بسبب  النظر إليها باعتبارها قصيرة الأمد دون وضع تصور استراتيجي واضح لمعالجتها، ما دفع الحكومة السورية المؤقتة إلى وضع ببيانات تفصيلية عن أوضاعهم القانونية والمعيشية.

ثورة حتى التحرير

وعن تمسك الشعب السوري بحقه في إكمال ثورته حتى النصر، أكد رئيس الحكومة السورية المؤقتة على أن "الثورة السورية ستكمتل بإرادة السوريين الجبارة فهي تأبى أن تنتهي قبل أن تزيل جميع العقبات التي واجهت ثورات الربيع العربي في مراحلها الأولى، وأن الدولة الديمقراطية المدنية التعددية التي تصبو المعارضة السورية إلى تأسيسها تقوم على هوية تعددية صراعية متغيرة لا هوية ساكنة تفضي إلى نظام محاصصة طائفي على خلاف الهوية التي أرادها النظام السوري وهي هوية عبودية للعائلة الأسدية وإن أي هوية طائفية أو مشروع طائفي لن يكون صالحاً في سوريا؛ لأنه  سيكون بمثابة استمرار للنظام الأسدي ولنموذج داعش الذي يعتبر نموذجاً صادقاً على التشابه بين البنية العميقة للنظام الأسدي الاستبدادي وبين القوى المتطرفة التي تحولت إلى عصابة تحكم (الرقة) وتدخل في صراع مع محيطها"، مشدداً على أن "الدولة المدنية لن تقوم إلا إذا عمل السوريون بمختلف مكوناتهم على تأسيس الدول السورية وتمكنوا من الحرص على الثقة بين الشعب والحكم المركزي كركيزة أساسية في النظام الديمقراطي المرتقب من خلال خلق حوارات منفتحة مع شبكات الثقة بين مختلف أطياف الشعب السوري للحفاظ على الهوية السورية وعلى الدولة الديمقراطية المدنية العادلة، والدولة المنشودة التي تصون الحريات لضمان استقرار الدول الإقليمية والاستقرار العالمي أيضاً لمواجهة خطر التطرف؛ لأنه في حال بقاء التطرف فتداعيات هذا التحدي لن يواجه الدولة المنشودة في سوريا فقط وإنما أيضاً سيمتد إلى باقي أنحاء العالم. وفي هذا الشأن، تطرق طعمة إلى مقومات الدولة المدنية من خلال الانفتاح على الحداثة والتمسك بالأصول الثقافة السورية وهو من أهم أهداف الثورة السورية أيضاً. 

وفي ختام كلمته، اعتبر طعمة أن المجتمع الدولي خذل الثورة السورية متذرعاً بحجج واهية، معتبراً أنه لن يتم الحل المستقبلي إلا من خلال حلّ سياسي لا يفرض على الجميع إلا بعد ترتيب الأوراق على الأراض السورية، ومنها : ظاهرة التطرف، الإسلام السياسي، والأقليات. وقال "إننا كمعارضة سورية لسنا  قادرين على التوحد حالياً وعلى جمع الكتائب المعارضة في جيش واحد وتحت شعار واحد، ولهذا نحن هنا في هذا المنتدى لنتبادل الحوار والنقاش؛ لأنه ليس لدينا  كحكومة مؤقتة حلّ سحري للأزمة السورية، ومن خلال التشاور والحوار في هذا المنتدى لعلنا نهتدي إلى الحلّ السليم. وبالرغم من هذا فإن ثقتنا بالله وبالشعب كبيرة"، وخلص إلى القول إن الشعب السوري حسم أمره ولن يتوقف عن الثورة حتى الحرية وشعار الشعب السوري العظيم "لم نستطع أن ننال ما نريده الآن.. لكن أحداً لن يستطيع منعنا من تحرير سوريا".