دعا عدد من المسؤولين البارزين، خلال الجلسة الافتتاحية للمنتدى التاسع لشبكة الجزيرة "الصِّراع والتغيير في العالم العربي"، إلى ضرورة دعم إرادات الشعوب العربية في الحرية، وكشفوا أن مصير المنطقة العربية مرهون بإرادة قادة الدول في الاستجابة لطموحات شعوبها للتحرر؛ حيث أكَّد مساعد وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، دعم بلاده لثورات الربيع العربي، وأنَّ قطر داعية سلْم وليست من دعاة الحرب. بينما فصَّل مستشار وزير الخارجية الإيراني القول: إن إيران ضحية للأفكار التي تشيطنها، معتبرًا أنه لا يمكن فصل طهران عن المنطقة، وأن التعاون معها أفضل من محاولة احتوائها أو عزلها.
في كلمة سعادة الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، مساعد وزير الخارجية القطري لشؤون التعاون الدولي، استهلَّ سعادته بالتعبير عن اختلافه مع عنوان المنتدى "الصِّراع والتغيير في العالم العربي"، لافتًا إلى أن "رؤية دولة قطر في علاقاتها الإقليمية والدولية أُسِّست على بثِّ روح الأمل بين الشعوب، وتشجيع أطراف أي نزاع على الحوار، وصولًا إلى رؤى مشتركة تُمكِّن الجميع من العيش بسلام"، وأشار إلى أن دولة قطر "التزمت من سنوات القيام بدور الوساطة الإيجابية، وفتحت أبوابها لكل الفرقاء، وشجَّعت الجميع على إيجاد قواسم مشتركة، تمكِّنهم من إحلال الاستقرار والسلام".
وأضاف: "لم نؤمن يومًا بالحرب طريقًا لمعالجة المشكلات، وعندما اندلعت ثورات الربيع العربي التي بدأت سلمية؛ انحازت دولة قطر بوضوح إلى جانب الشعوب، وساندتها في الدفاع عن حقها في الوجود، دون أن تتوقف محاولاتها عن الدعوة إلى الحوار والتفضيل دومًا للحلول السياسية".
وأكَّد: "نحن دعاة سلم، لا دعاة عنف وحرب، فأنتم تعلمون أن قطر تدعم الحل السياسي السلمي في كل الصراعات والنزاعات وقضايا الاختلاف في العالم، وتراهن على طاولة الحوار لتقديم حلول مستدامة".
البارونة وارسي: استقلْتُ عندما تعارض المنصب مع قيمي ومبادئي
بدورها، تحدثت البارونة سعيدة وارسي، وزير الدولة السابقة بمكتب الشؤون الخارجية والكومنولث بالمملكة المتحدة عن تجربتها الشخصية في الحكومة البريطانية، وكيف اعتلَتْ منصبًا مهمًّا، وهي ابنة المهاجر القادم من باكستان.
وقالت البارونة إنها كانت جزءًا من مجلس الوزراء البريطاني عندما بدأ الربيع العربي وبدأت الحكومة البريطانية في معالجة ذلك الوضع الجديد، وحينها لم يكن أحد يتوقع ما سيحدث في الدول العربية؛ لذا وجدت الحكومة نفسها في مواجهة سؤال: هل نقف بجانب أصدقائنا، أم نبقى أوفياء لقيمنا، حينما تتضارب المصالح مع القيم، بما في ذلك تاريخنا الاستعماري؟ وكيف يمكن للمملكة المتحدة القبول بإدخال شباب بلادها أتون الحرب في ليبيا؟
وقالت البارونة إنها في تلك الأحداث كانت تتساءل إن كانت المنطقة العربية تمتلك رؤية، أم أن رؤيتها تنحصر في مجرد البقاء على قيد الحياة!
وخلصت للقول: إن الأمور تغيرت ليس على المستوى العربي، فحسب، بل في العالم بأسره، وطريقة ردِّ فعل الغرب تغيرت، ورغبة الغرب في التدخُّل في المنطقة أصبحت منخفضة، ولم يعد يتحمل النفقات العسكرية الكبيرة، متسائلة: هل العالم العربي مستعد لتقبُّل شركاء لا يؤثِّرون؟ وهل هناك حلول للمشاكل الإقليمية؟
وتابعت مخاطبة الدول العربية: "كشخص عمل في مراكز صناعة القرار، فإن رؤيتنا لا يمكن أن تكون بوضوح رؤيتكم، وقراراتنا تكون بمدى وضوح رؤيتكم أنتم".
كما توقفت البارونة للحديث عن القضية الفلسطينية، والتي شكَّلت نقطة مفصلية لاستقالتها من حكومة المملكة المتحدة، حينما "شعرت بصدمة لأن العالم العربي كان صامتًا إزاء العدوان على غزة، وكنت مسؤولة في الحكومة عن التواصل مع الأمم المتحدة، لم أكن أفهم أن أطفالًا يلعبون كرة القدم يُقتلون بشكل مأساوي في غزة، ورأيتُ أن حكومة بلادي يُعوِزها الإخلاص؛ فكان ينبغي أن تكون حكومتي أكثر استعدادًا للعمل"، مضيفة: "الغضب العام للجمهور البريطاني كان يمكن أن يكون أكثر من مجرد احتجاجات لو أن دول المنطقة كانت مخلصة في رغبتها لحل أزمة الشرق الأوسط، ولم تكن مجرد لعبة بالنسبة لهم".
واستطردت تقول: "بعد أسابيع من الخلافات، كان لابد من الانتصار لمبادئي ومواقفي والقيم البريطانية التي تدعو للإنصاف، ولذلك قدَّمتُ استقالتي، وكان اتهامي بالخطأ في الحسابات السياسية، أهون من حقيقة الوقوف في الجانب الخاطئ من التاريخ".
ونوَّهت البارونة بموقف دولة قطر من القضية الفلسطينية وثورات الربيع العربي، بالقول: "دولة قطر تحدثت بصراحة أكبر، وحاولت اتخاذ توافقات وطريق للسلام وتقديم الدعم الإنساني اللازم، ويمكن لقطر أن تفخر بأنها تسطر مواقفها في صفحات التاريخ الناصعة".
العلاقة بين إيران والعرب
من ناحيته، حرص سعيد محمد كاظم سجاد بور، مستشار وزير الخارجية الإيراني، في مستهل مداخلته أمام المنتدى على التأكيد أنه يتحدث بقبَّعة الأكاديمي وليس الدبلوماسي الإيراني.
وقدَّم مداخلة حول "فهم العلاقة بين العرب وإيران اليوم"، لافتًا في مستهل كلمته إلى أن المنطقة تمر بمنعطف تاريخي، يحدث على مستوى المفاهيم، وهي وكأنها تُركت لنفسها، وهناك الكثير من العسكرة والنزاعات في المنطقة، ولاعبون مختلفون، ليسوا فقط "العرب"، بل دول مجاورة غير عربية، بما فيها إيران، معتبِرًا أن الدول العربية لا يمكنها أن تنفصل عن جيرانها من غير العرب.
واعتبر المستشار أن "هناك ثلاثة مفاهيم لفهم العلاقة بين إيران والوطن العربي؛ لأن هناك سوء فهم لهذه العلاقة؛ فجزء منها مضخَّم أو غير مفهوم بشكل دقيق"، مخاطِبًا الصحافيين بالقول إنه عليهم أن يستوعبوا هذه المفاهيم؛ لأن بعضها قد يكون سبب النزاعات.
وبرأيه، فإن "الكثير من وجهات النظر العربية تحمِّل طهران مسؤولية ما يقع، سواء من طرف بعض الكتَّاب المتطرفين المناهضين لإيران، أو بعض المعتدلين".
وعلَّق قائلًا: "إيران استُخدمت ذريعة للتغطية على العجز وسوء الديمقراطية والطائفية، واستُعملت ذريعة للتغطية على الكثير من الإخفاقات، ولتغطية قضايا أخرى".
وقال: إن "إيران تبقى لاعبًا وطرفًا لا يمكن لأحد أن يتجاهله، وإيران لاعب صاعد في المنطقة، ولكن ليس بدافع الهيمنة كما يرى بعض الكتَّاب العرب"، وإنما "سِرُّ صعود إيران وتفوقها يعود إلى أن نظام إيران بعد الثورة مؤسَّسي إلى حدٍّ كبير، والمؤسسات جعلت إيران قوية داخليًّا. إلى جانب اعتمادها بحدٍّ كبير على ذاتها، ومقاومتها لضغوط لم يخضع لها أي بلد في ظل النظام الحديث، بسبب العقوبات التي فُرضت عليها"، مبديًا أسفه لما أسماه بالدعم العربي لتلك العقوبات، على افتراض أن إيران تسعى لطموحات نووية. كما أن إيران -حسبه- البلد الوحيد في المنطقة الذي يعتمد على أمنه بمفرده، بما في ذلك التسلُّح والتدريب.
وأشار المسؤول الإيراني إلى أنَّ ما أسماه: الحسابات الخاطئة من اللاعبين الآخرين، مثل: الولايات المتحدة والقوى الإقليمية هي أحد أسباب صعود إيران، قبل أن يتفطن هؤلاء اللاعبون اليوم إلى أن مصدر الخطر لم يعد إيران فقط، بل هناك قوى أخرى.
أما المفهوم الثاني لعلاقة إيران بالمنطقة، فلخَّصه في القول: إن "إيران أصبحت مقبولة بشكل أكبر، والموقف الإيراني أكثر قبولًا من قِبل الآخرين، وإن العملية الدبلوماسية تقدم نتائج إيجابية، مقابل مواقف كانت تقوم على افتراض سوء النية، وإنها لا تريد برنامجًا نوويًّا، والآن هناك قبول بالأغراض السلمية للبرنامج النووي الإيراني".
وعن القضية السورية، أبرز أن "إيران كانت تقول بأن لا حلَّ عسكريًّا للمسألة السورية، ولكن بعض أطراف المنطقة كانوا يدعمون المجموعات المتطرفة التي نجم عنها ظهور "داعش" وحركات متطرفة أخرى".
أما المقاربة الثالثة التي طرحها المستشار، فتقوم على مفهوم أن "علاقة إيران بدول المنطقة باتت تقوم على ضرورة القبول بالآخر والتوافق لأجل تحقيق السلام، لأن محاولة احتواء وتهميش وشيطنة إيران والتي لا تزال قائمة، لم تنجح منذ 30 عامًا".
وخلص للقول: "لو أخذنا بنهج العمليات التوافقية مثل التفاوض على النووي، لأمكن تحقيق تعاون في قضايا أخرى؛ لأن الدبلوماسية تنجح، أما الاحتواء والمواجهات فتؤدي إلى سفك الدماء. ومع الدول المجاورة، فأنا لا أقدِّم نصائح، لكن كإيراني أقول: إن لدينا فضاءً سياسيًّا يمكن أن نحقق من خلاله التغيير".
وجدَّد القول: إن "الحديث عن صعود إيران لا يعني الهيمنة والغطرسة، بل صعودًا وطنيًّا، وقد أصبح موقفها أكثر قبولًا، والتفاوض معها هو الأفضل".
وخاطب الدول العربية قائلًا: "اللاعبون العرب لابد أن يفهموا أن إيران جزء من الحل للقضايا الإقليمية، وليست جزءًا من المشكلة، وأنه دون إيران لا حلَّ لمشاكل المنطقة. ولو تغيرت المفاهيم، يمكن أن تكون إيران جزءًا من الحل لكل الصعوبات التي يواجهها العالم العربي لأنه جار لطهران". مضيفًا: "إن تدويل القضايا ليس حلًّا جيدًا، بل لابد من إيجاد حلول إقليمية، وأودُّ أن أؤكد أن إيران نزيهة وصريحة في رغبتها في التعاون مع دول المنطقة".
وختم قائلًا: "العلاقة بين إيران والعرب تحتاج لتحليل غير طائفي ولا عاطفي، بل لتحليل واقعي، ولابد من التعاون بين إيران والأطراف العربية؛ لأنه مفتاح أساسي للمنطقة، ولا يمكن أن نغيِّر الجغرافيا، لكن نستطيع أن نغيِّر مصيرنا بالتعاون".