كانت أولى جلسات اليوم الثاني من أيام منتدى الجزيرة التاسع "تجربة المغرب السياسية في الحكم" ومحاولة فهمها في سياق ما تعرفه الساحة العربية من حراك وصراع وتفاعل. أوضح المتحدث الرئيسي معالي السيد عبد الإله بنكيران رئيس حكومة المملكة المغربية، أن رياح التغيير التي جاءت بها ثورات الربيع العربي كانت نتيجة لاستئثار فئة دون غيرها بالثروة والسلطة في بلدان الربيع العربي، مشيرًا إلى أن القيادة والنخب المغربية فهمت الرسالة وباشرت إجراء تغييرات هيكلية.

ولَفَتَ بنكيران في كلمته للجلسة الافتتاحية لمنتدى الجزيرة التاسع "الصِّراع والتغيير في العالم العربي"، والذي تحتضنه الدوحة خلال الفترة 4-6 مايو/أيار الجاري، إلى أحداث 20 فبراير/شباط التي تداعى لها فئات من الشباب المغربي خرجوا للاحتجاج، مبيِّنًا أن موقف حزب العدالة التنمية منذ الوهلة الأولى للأحداث كان عدم المشاركة في الاحتجاجات، مُرجِعًا ذلك القرار إلى أن من قام بهذه الاحتجاجات هي فئات غير معروفة ولم تُفصِح عن أهدافها.

وأكَّد رئيس الوزراء المغربي أن القرار هو عدم المغامرة بالنظام السياسي المغربي المستمر منذ 12 قرنًا، مشيرًا إلى أن ذلك كان الدافع للدعوة إلى الإصلاح في إطار الاستقرار، مبيِّنًا أن العاهل المغربي الملك محمد السادس تفاعل مع أحداث 20 فبراير/شباط من خلال خطاب شامل ألقاه على الأمة في 9 مارس/آذار وضع فيه قواعد الإصلاح من خلال الاستجابة لمطالب الحركة الوطنية المغربية.

وتابع قائلًا: "وهذا الخطاب كان له مفعول قوي على الشارع المغربي، أعقبه تعديل الدستور وإجراء الانتخابات التي تصدَّر فيها حزب العدالة التنمية؛ حيث أعطى الملك محمد السادس الأوامر بأن تكون النتائج المعلنة هي النتائج الحقيقة، وطبقًا للدستور الجديد تم اختيار أحد أعضاء الحزب الفائز بالانتخابات لمنصب رئيس الحكومة".

ولفت إلى أن المغرب يعيش استقرارًا وتحسُّنًا في مختلف المجالات نتيجة تلك التغييرات، مشيرًا إلى أن مستقبل الأمة ليس في الصراع، كونها من نسيج واحد، ولكنه يكمن في التعاون.

وذكر بنكيران التزام حكومته مبدأ التعاون والتكامل بين سلطات الملك وسلطات رئيس الحكومة من أجل خدمة الشعب، وذلك بديلًا لمبدأ التنازع على الصلاحيات الذي لا طائل منه، مؤكدًا أن عموم الشعب المغربي تقبَّل الأمر.

ونبَّه معالي رئيس الحكومة المغربي إلى أن حكومته اقتحمت القضايا المزمنة التي يعاني منها المغرب منذ فترة طويلة وشرعت في إيجاد حلول لها، ضاربًا المثل لذلك بالدعم الذي تقدمه الدولة للسلع الأساسية كالكهرباء والماء والمحروقات التي تعد من الملفات الشائكة التي تبتعد عنها الحكومات المتتالية.

وأكَّد أن التجربة المغربية تُتَابع من قِبل المواطن العادي نظرًا لنجاحها، مشيرًا إلى أن المؤشرات الاقتصادية تتحسن بشكل مستمر، وموضِّحًا أن الحكومة المغربية تضمُّ أطيافًا سياسية متعددة، وهو ما يمثِّل مصدر إثراء لها، مضيفًا: "فرئيس الحكومة ينتمي إلى حزب ذي خلفية إسلامية، فضلًا عن ضمِّها وزارء من الحزب الشيوعي المغربي السابق وغيره".

ونبَّه إلى ضرورة إفساح المجال السياسي أمام التيارات المختلفة، مشدِّدًا على أن الإقصاء لم يعد ممكنًا، ومؤكِّدًا في السياق ذاته أن هذه الروح هي التي عبر بها المغرب المرحلة الراهنة.

ولَفَتَ بنكيران الانتباه إلى أن الدولة المغربية التي أُنشئت قبل 12 قرنًا عاشت منعزلة وهو ما أسهم في تأخر معرفة أبناء المشرق العربي للخصوصية المغربية، مؤكدًا أن الدولة المغربية انتبهت مبكرًا لإشكاليات الثروة والسلطة مما جنَّبها الكثير من المشاكل.

وقال: "مرَّت المملكة بما يسمى بسنوات الرَّصاص، والتي لم يصل فيها الأمر إلى ما وصل اليه على سبيل المثال في تونس في عهد الرئيس ابن علي. وقد أدخل الملك الراحل الحسن الثاني تعديلات جوهرية مسَّت حقوق الإنسان وأسهمت في إفساح المجال للمعارضة وإدماج من عانَوا خلال سنوات الرصاص".

وأضاف قائلًا: "وقد أثمر إدماجُ المعارضة حكومةَ التناوب في 1998 برئاسة السيد عبد الرحمن اليوسفي التي أسهمت في إخراج المغرب من أزمة سياسية، كما أسهمت في انتقال الحكم من الملك الراحل الحسن الثاني إلى الملك الحالي الملك محمد السادس في سلاسة".

ونوَّه لأن رياح الربيع العربي أنضجت التجربة المغربية من خلال التفاعل مع التجربة، مبيِّنًا عمل حكومته على تحقيق أماني الشباب المغربي دون المغامرة بالنظام السياسي في البلاد، ومشيرًا إلى أن ذلك تمخَّض عن حصول حزبه على 107 مقاعد في البرلمان وصعود شعبية رئيس الحكومة إلى 88%.

وحول العلاقات المغربية مع الأردن ومع الخليج أكَّد بنكيران أن منطقة الخليج تُعتبر ذات أهمية كبيرة للمغربيين وذلك لوجود الحرمين الشريفين بها، مشيرًا إلى أن المغرب لا ينظر إلى الخليج على أنه مكان للحسابات، مشدِّدًا على أن أمن الخليج يعد أولوية لدى المغرب، ومشيرًا إلى أن الأردن لا يختلف عن ذلك.

وحول العلاقات الجزائرية-المغربية، قال: "نحب الجزائر ونعتقد أنهم كذلك، وهناك سوء تفاهم منذ 1963 إلى اليوم ونحن نحاول من خلال الحوار أن نصل إلى حلول تضمن الحقوق وتحافظ على الأصول، وعلى الرغم من الصعوبات فنحن في المغرب متفائلون".

وفيما يتعلق بالعلاقات المغربية-المصرية، أوضح عدم وجود إخوان مسلمين في المغرب، مشيرًا إلى انتماء حزبه للخلفية الإسلامية ولكنه لا ينتمي للإخوان المسلمين ولا بالتنظيم الدولي للإخوان.

وتابع قائلًا: "أمَّا بخصوص الخلاف الذي وقع بين مصر والمغرب يجب أن تكون الأمور واضحة،  فمصر هي مصر، والمصريون إخواننا ولا نريد لهم إلا الخير، وندعو إلى تغليب التفاهم وعدم الإقصاء، ولكن إذا كان لنا تدخُّل في أي وقت فسيكون في الاتجاه الإيجابي فقط".

وأردف قائلًا: "ونحن لم نعادِ مصر ولا يمكن أن نعاديها في أي يوم من الأيام، فمصر تمثِّل مركز الثقل في الأمة العربية، وأنا أتحدث بالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن حزبي".