نظَّم مركز الجزيرة الإعلامي للتدريب والتطوير جلسة عن الخرائط التفاعلية في الجغرافيا السياسية وكان المتحدث الرئيس الخبير جان كريسوف فيكتور مؤسس شركة ليباك. وقد استعرض جان كريستوف تطور رسم خرائط العالم القديم والوسيط والحديث وبدايات رحلات المستكشفين الذين وفَّروا معلومات أولية على أساسها تم رسم خرائط العالم. 

وذكَّر كريستوف بأن خرائط العالم الحديث رُسِمت من قِبل الأوروبيين ولذلك جعلوا من مناطقهم مراكز الثقل في الجغرافيا السياسية مثل فكرة خط غرينيتش الذي ابتدعته الحكومة البريطانية بالتوافق مع نظيرتها الفرنسية. ونبَّه على الإشكالية المرتبطة بالمركز والأطراف في الجغرافيا؛ فالصين تعتبر أن موقعها الجغرافي هو مركز العالم في حين يرسم الأستراليون خريطة تجعل أستراليا في موقع متقدم من العالم وليست في موضع قصي منه.

إن الحديث عن الجغرافيا السياسية يدعونا إلى تناول قضايا مثل الدين والتاريخ والبيئة والمناخ والاقتصاد. تاريخيًّا كان الكاهن ميشرين، وهو رجل دين مسيحي برتغالي، أول من رسم خريطة الصين والمدينة المنيعة بكين وقدَّمها لملوك أوروبا كما رسم أوروبا لصالح إمبراطور الصين. الحضارة الإسلامية أيضًا اكتسحت مناطق واسعة فقد انطلق الإسلام إلى آسيا وإفريقيا بل عَبَر طارق بن زياد إلى إبيريا وفي العهدين الأموين والعباسي اتسعت هذه الحضارة عبر مساحات واسعة؛ وهذه حقيقة لا يذكرها العديد من الخبراء والباحثين لأسباب حضارية فاقم منها عقد ما بعد 11 سبتمبر/أيلول حيث يُظهرون خرائط خاطئة.

وفي موضوع الخرائط المتعلِّقة بالشرق الأوسط لابد من الإشارة إلى أن هذه المنطقة تعاني من أزمة في المياه؛ حيث تعاني فلسطين والأردن وإسرائيل من ندرة كبيرة في المياه وهو أمر سيتفاقم في المستقبل بشكل كبير، وحتى إسرائيل التي تضع يدها على بعض مصادر المياه تقع تحت التهديد حيث إن هذه البحيرات في طريقها للنضوب حيث من المتوقع اختفاء البحر الميت في الثلاثين سنة القادمة رغم أنه يوجد الآن مشروع مشترك لهذه الدول مع البنك الدولي لبناء ما يُعرَف بقناة السلام لجلب مياه البحر الأحمر إلى البحر الميت وهو مشروع يكلِّف 9 مليارات دولار. إنه مشروع مثير للاهتمام بغضِّ النظر عن التساؤل المطروح حول هل سينجح أم لا؟ 

جانب آخر من مشهد الشرق الأوسط وهو المنطقة المتعلقة بتركيا وإيران وسوريا؛ إذ نلاحظ اختفاء حدود سايكس-بيكو حيث قام تنظيم الدولة بتكسير هذه الحدود. وأبرز ما يثير الاهتمام في هذا المشهد هو اختفاء مفهوم الدولة القومية وسيطرة تنظيم الدولة على مصادر المياه في هذه المنطقة وهي التطورات التي ستُفضي إلى قيام كيان كردي جديد.

نقطة أخرى مهمة تتعلق بالتأثير المتعلِّق بالموقع والحجم في الجغرافيا، فإمارة قطر صغيرة جغرافيًّا ولكنها بلد غني بموارده الطاقوية. 

مؤخرًا تابعتُ خبرًا نشرته وكالة الأنباء الصينية يفيد أن الصين عازمة على تدشين خط حرير جديد؛ فكيف تعيد الصين هذا المفهوم القديم للتجارة الدولية؟ إنها تفكر في إقامة بنى تحتية تربط الصين بأوروبا وآسيا وإفريقيا عبر سكك حديدية أو طرق معبَّدة لنقل صادرات الصين ووارداتها من وإلى هذه المناطق. فإذا كانت الباخرة من أوروبا وإفريقيا إلى الصين تستغرق 16 يوما فإن القطار يستغرق 11 يومًا فقط.

ومن المحددات المهمة في موضوع الجغرافيا السياسية موضوع الناتج الإجمالي الخام حيث ستشهد المرحلة القادمة احتلال الصين للمرتبة الأولى عالميًّا تليها الهند ودول البريكس ثم دول مثل إندونسيا وتركيا ونيجيريا؛ حيث ستشهد الطبقات الوسطى في الدول النامية ارتفاعًا كبيرًا بعد 15 سنة من الآن حيث ستصبح 80% من السكان في البلدان النامية ينتمون للطبقات الوسطى؛ وهذا لا يعني أن أوروبا ستصبح دولًا فقيرة بل يعني فقط نوعًا من التوازن.

محدد آخر هو التغير المناخي وما يثيره من تحديات مثل الاحتباس الحراري وذوبان الجليد، وقد استعرض حالة جزيرة جرينلاند اعتمادًا على صور الأقمار الصناعية في سنوات 2000، و2005 و2010؛ حيث تشهد انحسارًا كبيرًا للجليد. 

وقد نبَّه إلى أهمية استيعاب الصحفيين والمؤسسات الصحفية لطبيعة الجغرافيا السياسية نظرًا لما تثيره من حساسيات عند تناولها في وسائل الإعلام حيث يمكن أن يتسبب خطأ ما أو خريطة ما في تسميم الأجواء مع دولة أو مجموعة دول مثل ما حدث مع الجزيرة الإنجليزية في الهند عندما عرضت خريطة ضمَّت مناطق من كشمير تخضع للسيادة الهندية إلى الصين مما تسبب في عدم السماح للجزيرة الإنجليزية في الهند. ومثل ما حدث معي شخصيًّا عندما قدمتُ في ندوة في الدار البيضاء خرائط تُظهر الصحراء الغربية خارج خارطة المغرب وهو ما تسبَّب في بلبلة داخل الندوة واستياء بعض الحاضرين. وفي مثل هذه الحالات ينبغي لوسائل الإعلام أن تراعي الخرائط المعتمدة عند الأمم المتحدة.

وهناك إشكال آخر في التناول الإعلامي للجغرافيا السياسية يتعلق بالتسميات مثل الخلاف الحاصل حول الخليج؛ هل نسميه: الخليج العربي أم الفارسي؟ وقد دأبت للخروج من الخلاف على تسميته بالخليج العربي-الفارسي، وقد اتصل بي السفير الإيراني محتجًّا على هذه التسمية التي يعتبرها تزويرًا للتاريخ.