نظَّم مركز الحريات العامة وحقوق الإنسان بشبكة الجزيرة جلسة عن دور وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني في مكافحة خطاب الكراهية والتعصب؛ فاستهل رئيس الجلسة السيد عثمان عثمان الصحفي بشبكة الجزيرة أعمالها بتقديم المحاضرين، وهم: البروفيسور علي محمد شمو: الرئيس السابق للمجلس القومي للصحافة في السودان، ود. عبيد أحمد لعبيد: مدير مكتب الأمم المتحدة للتدريب والتوثيق في مجال حقوق الإنسان لغرب آسيا، وبروفيسور سلمادين: الخبير والباحث في الاعلام العربي، ونضال منصور: الرئيس التنفيذي لمركز حماية وحرية الصحفيين.... ومن القاعة الدكتورة رقية كاسينالي: مدير البرامج وإدارة المعرفة في المبادرة الإفريقية للإعلام، والدكتور طه يوسف: من الأمم المتحدة، والدكتور مات ديفيد. 

ومهَّد رئيس الجلسة بالحديث عن الموازنة بين الحريات والمسؤوليات والواجبات والحدِّ الفاصل بين حرية التعبير وحق الإنسان، وتطرق كذلك إلى خطة الرباط ومسؤوليات وواجبات هيئات الأمم المتحدة، ومنظمات المجتمع المدني.

تناول الدكتور لعبيد خطة الرباط بشيء من التفصيل حول أهدافها ونتائجها ومدى إلزاميتها. وفي نفس السياق ذكر أنها جاءت نتيجة لجهود كبيرة من المشاورات لمناقشة وتقييم وضع الحريات وخطاب الكراهية كخطوة أولى لفهم الموضوع والانطلاق لمعالجته بصورة علمية، وكانت النتيجة خطة الرباط التي تجعل الكراهية غير مقبولة وتجرِّمها. كما أشار إلى أن الخطة فرَّقت بين حرية الرأي والتعبير من جهة وخطاب الكراهية من جهة أخرى. وتحاول الخطة إيجاد نقطة توازن بين الأمرين، موضحًا أن حرية الرأي ينبغي أن تقف عند حدِّ إعطاء الرأي فقط. وقال لعبيد: إن المشكلة ليست التصرف الفردي ولكنها في العمل الجماعي وكيف توضع قوانين للحدِّ منه في الخطاب. وأضاف: إن خطة الرباط تهدف إلى النظر إلى النِّيَّة التي يكون العنف نتيجة حتمية لها.

سؤال: إن بعض الدول تجرِّم الكراهية ضد جنس معين كما يفعل الغرب بخصوص السامية، فلماذا التمييز بين الناس في الإساءة إلى مقدس دون غيره؟

في إجابته على السؤال، قال السيد نضال: إن الدول كلها تحاول توظيف استخدام القانون مبيِّنًا أن التشريعات والقوانين قد تكون جيدة في ذاتها ولكن الإشكال يكمن في إنفاذها الذي تتلاعب فيه الدول من خلال تسييس الموضوع. وأضاف: خطة الرباط أعطت تفاصيل تتعلق بالنية والهدف وأنه يجب أن نتجنب استخدام الكراهية وتجييرها لإهدار الحق. كما ركَّز على أن الدستور والقانون والنُّظم يجب أن تتوقف عند إهدار الحق، ونبَّه إلى أنه قبل 2011 لم يكن خطاب الكراهية موجودًا حيث لم تكن هناك دول أو ميليشيات أو أحزاب أو أنظمة تتبناه وتمارسه بشكل واسع كما هو الوضع اليوم. كما ذكَّر بالدور السلبي الذي يمكن أن يلعبه الإعلام في إذكاء النزاعات وبثِّ الكراهية، ومثَّل لذلك بالحرب الأهلية في لبنان والتي استمرت لنحو ثلاثين سنة وكان سببها الإعلام. وفي الأخير حذَّر المتحدث من خطورة الاستسلام للتوظيف السياسي وضرورة التزام بوصلة قانونية تعصم متبعها من الانزلاق والسقوط في مطبات الكراهية والتحريض على العنف.

أمَّا البروفيسور شمو فقال: إن التشريعات في العالم الثالث بصورة عامة والعالم العربي بصورة خاصة جيدة وتدعو لضمان الحريات (الحريات الخمس) وعدم العنصرية لكن المشكلة تكمن في تطبيق النصوص الذي تتدخل فيه الحكومات وفق ما تمليه مصالحها. وأشار إلى الدور الذي لعبته الميديا في رواندا حيث حُوكم مسؤولون على ما اقترفوا من عمليات تحريض على العنف. وأضاف: إن العرب لديهم تقاليد في استخدام الراديو (صوت العرب من مصر في عهد عبد الناصر) لتوظيف الرسائل بصورة سلبية.

سؤال: هناك قوانين وحقوق غير مفعلة، ألا يمكن استحداث سُلطة عليا (كالأمم المتحدة) مثلًا يُسنَد إليها التنفيذ؟

ردًّا على السؤال أجاب الدكتور ديفيد بأن هناك قرارات ملزمة وواضحة ولكنها لا تُطبَّق، فهي تتوقف على الدولة المعنية. وفي الوقت ذاته كيف يمارس حق حرية التعبير ويمتنع عن ممارسة الدعوة للكراهية والعنف والتطرف؟ يجب عدم التعرض للسمعة من خلال الافتراء للضغط على المعارضين، وساق مثالًا على ذلك الحكم الصادر عن محكمة إفريقية لصالح صحفي في بوركينا فاسو؛ فيمكن أن توجد محاكم مماثلة في أوروبا وعدد من الدول شرق الأوسطية وهي طريقة جديدة للتعامل مع هذا الموضوع الشائك والمهم.

أما الدكتورة رقية كاسينالي فتحدثت عن الموازنة بين العادات والتقاليد من جهة، والقوانين والدساتير من جهة ثانية. وأضافت: إن المشكلة تكمن في طريقة تطبيق القوانين، وساقت نموذج رواندا وكيف كانت الهوَّة واسعة بين الإطارين الأخلاقي والقانوني. ولفتت الانتباه إلى أهمية التزام الإعلاميين أخلاقيًّا حتى يساعدوا في الحدِّ من التعصب والتنميط والأحكام التي تطلق جزافًا. ونادت بضرورة العمل مع الجهات الفاعلة كمنظمات المجتمع المدني وهو ما لا يحصل دائمًا. كما دعت كذلك إلى ضرورة التنسيق بين الجهات المعنية لكسر خطاب الكراهية والتعصب والعنصرية.

سؤال: ما دور الإعلام ومؤسسات الأمم المتحدة في مكافحة خطاب الكراهية؟ وما هو الدور الذي تقوم به منظمات المجتمع المدني؟

الدكتور طه يوسف ركَّز على أن لدى الأمم المتحدة دورًا مشهودًا في مكافحة خطاب الكراهية وتثبيت حرية التعبير؛ فالمادة (19) من الميثاق الدولي لحقوق الإنسان تضمن حرية الرأي والتعبير. والمادة (20) الفقرة (2) تعطي الحكومات حق معاملة من يتعدى حرية التعبير ولكن هذه الحرية ليس لها تعريف جامع مانع. كما أنها ليست مُلزِمة. كما أن الأمم المتحدة نظَّمت أربع محاضرات في فيينا وبانكوك وبعض الدول الأخرى أدَّت في النهاية إلى ظهور خطة الرباط. وهناك أيضا منظمات المجتمع المدني ومؤسسات أخرى تقوم بدور مكمِّل ومهم. كما ذكر المتحدث مبادرات ميديا 2021 في الأمم المتحدة ومنظمة حماية الصحفيين. وفيما يلي أسئلة الجمهور والإجابات عليها.

سؤال1: هل يمكن تعميم بعض التجارب الرائدة كالمدينة الألمانية التي دُفِن فيها قائد نازي وكان محبُّوه يزورونه كل سنة، فاتخذت المدينة قرارًا بإزالة الرُّفات وتنظيم مسيرة تجمع خلالها أموالًا لصالح ضحايا الهولوكست؟ 

جواب1: طبعًا من الممكن استلهام مبادرات أخرى تخدم مكافحة الكراهية والعنصرية بما يتناسب مع خصوصيات المجتمعات المعنية.

سؤال2: ما الحدُّ الفاصل للصحفي حتى لا ينشر الخطاب الطائفي، كتغطية خبر في العراق أو الشاب الذي قُتِل في نيويورك؟ 

جواب2: ليست هناك وصفة سحرية مجسدة في خطوات محددة؛ إذ إن الموقف يختلف باختلاف المشهد. ولكن يلزم التفريق بين نقد الشخصيات العامة والتعريض بها؛ فالقوانين والتشريعات في الدول لا تكفي وحدها لإنهاء التحريض خاصة أن أغلب وأخطر عمليات التشويه التي يتعرَّض لها الصحفيون تأتي من نظرائهم الصحفيين. ومن المفيد الإشارة إلى أن الاعلام أصبح من أدوات الاستقطاب السياسي مع العلم بأنه يجب أن يكون الإعلام مستقلًّا.

سؤال3: من خلال تجربة العاملين في مركز الحريات العامة وحقوق الإنسان في الجزيرة يقوم قطاع ضبط الجودة بوضع معايير المربع الإعلامي من (1) مصادر، (2) رسائل، (3) الجمهور، (4) التأثير، فكيف تنظر المؤسسات الإعلامية الحرة المستقلة إلى الإعلام، وكيف تنظر إلى حرية التعبير؟

جواب 3: هناك شك قوي في وجود مؤسسات إعلامية مستقلة وهو ما يظهر جليًّا في الفضائيات؛ لأن أي متابع لها يعرف أن هذه القوة أو تلك تقف وراءها، وتكون عادة الجهة الممولة. والصحفي جزء من النظام حتى في أوروبا وليس مستقلًّا عنه. 

سؤال4: كيف تُمكِن الرقابة على الإعلام الاجتماعي؟ 

جواب4: لا يمكن متابعة الإعلام الاجتماعي بصورة مطلقة إلا من خلال تطوير الرقيب الذاتي لدى الأفراد؛ فالجمهور متنوع والأدوات تتطور بوتيرة مذهلة تمنح استقلالية وحرية كبيرتين.

سؤال5: كيف يمكن تفادي ظهور الأشخاص الذين يبثون رسائل الكراهية والعنف من خلال منصات إعلامية كبيرة؟

جواب5: على المؤسسات أن تضع ضوابط للأشخاص الذين تستضيفهم، وإلزامهم باحترامها. من جهة أخرى يمكن اللجوء إلى الآليات القانونية المتاحة لمتابعة هؤلاء الأشخاص.
سؤال6: ما العلاقة بين الإرهاب وحقوق الإنسان؟ 

الجواب6: يمكن النظر لهذه العلاقة من ثلاث زوايا، هي: (1) أن جريمة الإرهاب هي جريمة حقوق إنسان. (2) أن موضوع الإرهاب يُستغل لانتهاك حقوق الإنسان كشرعنة التعذيب أو التغاضي عنه، والمحاكمات الخاصة التي تُذكِّر بمحاكم التفتيش. (3) أن العلاقة تناسبية فاحترام حقوق الإنسان هو أفضل طريقة لمكافحة الإرهاب والعكس بالعكس. بمعنى أن الكثير من الانتهاكات في أميركا مثلًا يجري تحت قانون مكافحة الإرهاب، وينطبق الحال على الأردن أو السعودية أو غيرهما... والصحفي في الجزيرة سامي الحاج مثال حي على انتهاك حقوق الإنسان بحُجَّة مكافحة الإرهاب. ومن خلال العروض التي قُدِّمت في الجلسة والنقاشات التي تلتها يمكن استخلاص توصيات على المستويات التالية:  

القوانين والتشريعات:

  • بذل جهود دولية لاستصدار القرارات والاتفاقيات التي تلزم الدول بتطبيقها.
  • ملاحقة الأشخاص الذين ينشرون الكراهية على المستويين الوطني والدولي باستخدام الآليات المناسبة.
  • تعيين مقرر لحرية الإعلام ولحرية الصحافة، وتفعيل المراجعة الدورية لحقوق الإنسان.
  • دعم المطالبة بمراجعة المادة (19) من الميثاق الدولي لحقوق الإنسان لتتلاءم مع توسع حقوق الإنسان لتشمل الحق في التواصل.

بناء القدرات المؤسسية والفردية: 

  • تطوير آلية لتفادي ازدواجية المعايير كالتمييز بين الأشخاص على أساس الدين أو الجنس البشري.
  • إيجاد آلية لتفعيل القوانين الموجودة بالنظر الموضوعي لاختلاف الحالات باختلاف البلدان.   
  • توفير تدريب محترف للصحفيين والإعلاميين وتطوير ميثاق لمهنتهم